تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأنا ما عرفت خطورة الكلام إلا كلما تقدم بي العمر، ولعل الكثير من الأخوة سألني: أين أعمالك؟ لا نرى لك أعمالا في السوق. حتى أساء بعض إخواننا الظن بي، وقالوا إنني انشغلت بالخطب الحماسية وتهييج الناس على تحقيق العلم. قالوا: والدليل على ذلك، أننا منذ سنوات لم نر له كتاباً. وهذا حق، فإنني أصبحت شديد الخوف والهيبة من الكلام في الحديث، وأعيد النظر في كل كتبي التي أخرجتها في أيام شبابي، وأنا فعلا نادم على إخراج تلك الكتب، بالرغم أنها حظيتْ بالقبول عند طلبة العلم وعند بعض مشايخنا مثل الشيخ الألباني رحمه الله، وأثنى على بعضها، لكني أنا نادم فعلا على إخراج تلك الكتب في ذلك الزمان، وتمنين لو قال لي واحد: قف .. ولا تخرج كتابا من كتبك. إذن لاتبعتُ هذه النصيحة. لماذا؟ لأنني حين أعدت النظر فيها مرة أخرى، كان لي أحكام مخالفة للأحكام التي أصدرتها أيام شبابي، وأنا الآن أعيد كل كتبي تقريباً.

فتوقفي عن إخراج الكتب بسبب الاستقصاء في الكلام على الحديث، وهذا يستلزم بذل جهد آخر، فكل الكتب المطبوعة يجب أن يكون لها فهرس عندك، والكتب المخطوطة وهي بالألوف المؤلفة، يجب أن يكون لها فهرس عندك، فهرس حديث على أطراف المسند، حتى إذا احتجت حديثا تنظر في أطرافك وفهارسك حتى تحقق الحديث الواحد.

فأنت من أجل فهرسة الكتب المطبوعة والكتب المخطوطة لنفسك أين ستجد من العمر ومن الجهد ما يعينك على الكلام في الحديث صحة وضعفاً؟ فالمسألة يا أخواني في غاية الصعوبة، ليست بهذه البساطة. الحافظ بن حجر قال: صدوق يهم، إذن انتهى فحديثه حسن، فهناك جماعة تمشي بذلك يقولون الثقة حديثه صحيح، والمختلف فيه حديثه حسن، والضعيف حديثه ضعيف. والله لو كانت المسألة هكذا لما تعب أحد، ولكنا استرحنا، لكن الثقة قد يكون حديثه منكراً، هل تذكرون الحديث عن الشاذ؟ ألم تخرج أحاديث لسفيان بن عيينة ومعمر (مناكير)؟ فحين تقرأ في كتاب (تقريب التهذيب): سفيان بن عيينة (ثقة حافظ مشهور) مثلا، فهل كل حديث رواه سفيان بن عيينة أقبله؟ لن أقبله؛ لأنه قد يشذّ. إذن ما فائدة قول ابن حجر في ابن عيينة (ثقة مشهور)؟

إذن الكلام المجمل على الرواة- في الحقيقة- ليس له قيمة، ولا يعرف حقيقة ما أقول إلا رجل دارس وممارس لعلم الحديث. وأنا لا أطعن على أساتذة الجامعات، لكن أغلبهم- أغلب أساتذة الجامعات الذين يدرّسون مادة الحديث- ضعفاء في الحديث؛ لأن كل علمه نظري، هذا كل ما يحسنه، النظري فقط، لكن إذا وقف في حديث يرتبك، وأنا أعرف كثيراً منهم، وقليل جدا منهم هم الذين يحسنون علم الحديث. فالقدرات الجامعية لا تخرج طالباً نابهاً أبداً، إنما تفتح له الباب، فإذا كان الطالب مجداً ومجتهداً فهو الذي سيربح، لأنه يقرأ في الكتب- التي هي خارج المقرر- إنما الطالب الذي يتخرج بجيد جداً أو امتياز في علم الحديث على وجه الخصوص، مالم يتقن هذا بدراسة جادة نظرية وعملية سيظلّ ضعيفاً في علم الحديث.

لهذا يا أخواني أقول لكم: في المحاضرات القادمة إن شاء الله والتي سنتناول فيها بعض الأحاديث للبخاري ومسلم، والتي انتقدها بعض أهل العلم، سنمشي معها خطوةً خطوة لنبين رجحان كفة البخاري ومسلم وسداد رأيهما على رأي المخالف، فأنت ستستدل بهذه الأحاديث على ما غاب عنك، حتى تعرف كيف تتعامل مع أعداء العلم، وأعداء الإسلام من المتأخرين الذين يطعنون على الأحاديث التي لم يتكلم أحد في صحتها لمجرد أنها تخالف عقولهم. مثل الرجل الذي أشرتُ إليه في خطبة الجمعة، لمن حضر الجمعة، الذي يستعدي وزير الأوقاف على شيخ في التلفزيون احتجّ بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب) يريد أن يقيل الوزيرُ هذا الشيخَ ويمنعه من الكلام، لماذا؟ لأن الحديث هذا موضوع، فلا أحد في الدنيا يقول: إن التراب من جملة المنظفات، لأن المنظفات هي الكلور والصابون ونحوها، وإلا لكنا عبئنا التراب في أكياس وبعناه إلى جانب الصابون وغيره. فتصور حين يعترض أحد على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا!!!! وهذا الرجل بالذات معروف أنه مخرف، ويزعم أنه مؤرخ، وأنا أتابع مقالاته وكتبه من خمسة عشر سنة- نسأل الله عز وجلّ أن يختم لنا بخير- ما رأيت أسوأ من هذا الآدمي في جمع المعلومة، وهو يزعم أنه مؤرخ،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير