تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا بمعنى إكراه الناس على الإيمان. ولكن بمعنى استعلاء دين الله في الأرض , بحيث لا يخشى أن يدخل فيه من يريد الدخول ; ولا يخاف قوة في الأرض تصده عن دين الله أن يبلغه , وأن يستجيب له , وأن يبقى عليه. وبحيث لا يكون في الأرض وضع أو نظام يحجب نور الله وهداه عن أهله ويضلهم عن سبيل الله. بأية وسيلة وبأية أداة.

إن هذا الدين ليس إعلاناً لتحرير الإنسان العربي! وليس رسالة خاصة بالعرب! .. إن موضوعه هو " الإنسان " .. نوع " الإنسان " .. ومجاله هو " الأرض " .. كل " الأرض ". إن الله - سبحانه - ليس رباً للعرب وحدهم ولا حتى لمن يعتنقون العقيدة الإسلامية وحدهم .. إن الله هو " رب العالمين " .. وهذا الدين يريد أن يرد " العالمين " إلى ربهم، وأن ينتزعهم من العبودية لغيره. والعبودية الكبرى - في نظر الإسلام - هي خضوع البشر لأحكام يشرعها لهم ناس من البشر .. وهذه هي " العبادة " التي يقرر أنها لا تكون إلا لله، وأن من يتوجه بها لغير الله يخرج من دين الله مهما ادعى أنه في هذا الدين. ولقد نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن " الاتِّباع " في الشريعة والحكم هو " العبادة " التي صار بها اليهود والنصارى " مشركين " مخالفين لما أمروا به من " عبادة " الله وحده ..

إن المعسكرات المعادية للإسلام قد يجيء عليها زمان تؤثر فيه ألا تهاجم الإسلام، إذا تركها الإسلام تزاول عبودية البشر للبشر داخل حدودها الإقليمية، ورضى أن يدعها وشأنها ولم يمد إليها دعوته وإعلانه التحريري العام!

ولكن الإسلام لا يهادنها، إلا أن تعلن استسلامها لسلطانه في صورة أداء الجزية، ضماناً لفتح أبوابها لدعوته بلا عوائق مادية من السلطات القائمة فيها.

هذه طبيعة هذا الدين، وهذه وظيفته، بحكم أنه إعلان عام لربوبية الله للعالمين، وتحرير الإنسان من كل عبودية لغير الله في الناس أجمعين!

وفرق بين تصور الإسلام على هذه الطبيعة، وتصوره قابعاً داخل حدود إقليمية أو عنصرية، لا يحركه إلا خوف الاعتداء!

إنه في هذه الصورة الأخيرة يفقد مبرراته الذاتية في الانطلاق!

إن مبررات الانطلاق الإسلامي تبرز بوضوح وعمق عند تذكر أن هذا الدين هو منهج الله للحياة البشرية، وليس منهج إنسان، ولا مذهب شيعة من الناس، ولا نظام جنس من الأجناس! ..

ونحن لا نبحث عن مبررات خارجية إلا حين تفتر في حسنا هذه الحقيقة الهائلة ..

حين ننسى أن القضية هي قضية ألوهية الله وعبودية العباد ..

إنه لا يمكن أن يستحضر إنسان ما هذه الحقيقة الهائلة ثم يبحث عن مبرر آخر للجهاد الإسلامي!

والمسافة قد لا تبدو كبيرة عند مفرق الطريق، بين تصور أن الإسلام كان مضطراً لخوض معركة لا اختيار له فيها، بحكم وجوده الذاتي ووجود المجتمعات الجاهلية الأخرى التي لا بد أن تهاجمه، وتصور أنه هو بذاته لا بد أن يتحرك ابتداء، فيدخل في هذه المعركة ..

المسافة عند مفرق الطريق قد لا تبدو كبيرة، فهو في كلتا الحالتين سيدخل المعركة حتماً، ولكنها في نهاية الطريق تبدو هائلة شاسعة، تغير المشاعر والمفهومات الإسلامية تغييراً كبيراً .. خطيراً.

إن هناك مسافة هائلة بين اعتبار الإسلام منهجاً إلهياً، جاء ليقرر ألوهية الله في الأرض، وعبودية البشر جميعاً لإله واحد، ويصب هذا التقرير في قالب واقعي، هو المجتمع الإنساني الذي يتحرر فيه الناس من العبودية للعباد، بالعبودية لرب العباد، فلا تحكمهم إلا شريعة الله، التي يتمثل فيها سلطان الله، أو بتعبير آخر تتمثل فيها ألوهيته .. فمن حقه إذن أن يزيل العقبات كلها من طريقه، ليخاطب وجدان الأفراد وعقولهم دون حواجز ولا موانع مصطنعة من نظام الدولة السياسي، أو أوضاع الناس الاجتماعية ..

إن هناك مسافة هائلة بين اعتبار الإسلام على هذا النحو، واعتباره نظاماً محلياً في وطن بعينه فمن حقه فقط أن يدفع الهجوم عليه في داخل حدوده الإقليمية!

هذا تصور .. وذاك تصور ..

ولو أن الإسلام في كلتا الحالتين سيجاهد ..

ولكن التصور الكلي لبواعث هذا الجهاد وأهدافه ونتائجه، يختلف اختلافاً بعيداً، يدخل في صميم الاعتقاد كما يدخل في صميم الخطة والاتجاه.

من حق الإسلام أن يُخرج " الناس "من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير