"يا أبا بكر، هو لمن يرغب لا لمن يجاحش عليه، ولمن يتضاءل عنه لا لمن ينتفج إليه، هو لمن
يقال: هو لك، لا لمن يقول: هو لي " ولقد شاورني رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الصهر، فذكر فتياناً من قريش، فقلت: أين أنت من علي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن
لأكره لفاطمة ميعة شبابه، وحداثة سنه، فقلت له: متى كنفته يدك، ورعته عينك، حفت
وفؤادك مشهوم، وعودك معجوم! والآن قد بلغ الله بك، وأنهض الخير لك، وجعل مرادك بين
يديك، وعن علم أقول ما تسمع؛ فارتقب زمانك، وفلّص أردانك؛ ودع التقعس والتجسس
لمن لا يظلع لك إذا خطا، ولا يتزحزح عنك إذا عطا؛ فالأمر غض، والنفوس فيها مض؛
وإنك أديم هذه الأمة فلا تحلم لجاجاً، وسيفها العضب فلا تنب اعواجاجاً، وماؤها العذب
فلا تحل أجاجاً؛ والله لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر فقال لي:
"يا أبا بكر، هو لمن يرغب لا لمن يجاحش عليه، ولمن يتضاءل عنه لا لمن ينتفج إليه، هو لمن
يقال: هو لك، لا لمن يقول: هو لي " ولقد شاورني رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الصهر، فذكر فتياناً من قريش، فقلت: أين أنت من علي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن
لأكره لفاطمة ميعة شبابه، وحداثة سنه، فقلت له: متى كنفته يدك، ورعته عينك، حفت
بهما البركة، وأسبغت عليهما النعمة، مع كلام كثير خاطبته به رغبة فيك، وما كنت
عرفت منك في ذلك حوجاء ولا لوجاء، فقلت ما قلت وأنا أرى مكان غيرك، وأجد
رائحة سواك، وكنت إذ ذاك خيراً لك منك الآن لي؛ ولئن كان عرض بك رسول الله صلى
الله عليه وسلم في هذا الأمر فلم يكن معرضاً عن غيرك، وإن كان قال فيك فما سكت
عن سواك، وإن تلجلج في نفسك شيءٌ فهلم فالحكم مرضي، والصواب مسموع، والحق
مطاع؛ ولقد نقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما عند الله عز وجل وهو عن هذه
العصابة راض، وعليها حدب، يسره ما يسرها، ويسوءه ما يسوءها، ويكيده ما كادها،
ويرضيه ما أرضاها، ويسخطه ما أسخطها، أما تعلم أنه لم يدع أحداً من أصحابه وأقاربه
وسجرائه إلا أبانه بفضيلة، وخصه بمزية، وأفرده بحالة؟ أتظنه صلى الله عليه وسلم ترك
الأمة سدىً بددا، عباهل مباهل، طلاحي، مفتونةً بالباطل، معنونةً عن الحق، لا ذائد ولا
رائد، ولا ضابط ولا حائط ولا رابط، ولا ساقي ولا واقي، ولا هادي ولا حادي؛ كلا،
والله ما اشتاق إلى ربه تعالى، ولا سأله المصير إلى رضوانه وقربه إلا بعد أن ضرب المدى،
وأوضح الهدى، وأبان الصوى؛ وأمن المسالك والمطارح، وسهل المبارك والمهايع، وإلا بعد
أن شدخ يافوخ الشرك بإذن الله تعالى، وشرم وجه النفاق لوجه الله سبحانه، وجدع أنف
الفتنة في ذات الله، وتفل في عين الشيطان بعون الله، وصدع بملء فيه ويده بأمر الله عز
وجل؛ وبعد، فهؤلاء المهاجرون والأنصار عندك ومعك في بقعة واحدة، ودارٍ جامعة، إن
استقالوني لك، وأشاروا عندي بك، فأنا واضعٌ يدي في يدك، وصائرٌ إلى رأيهم فيك، وإن
تكن الأخرى فادخل في صالح ما دخل فيه المسلمون، وكن العون على مصالحهم، والفاتح
لمغالقهم، والمرشد لضالتهم، والرادع لغوايتهم، فقد أمر الله تعالى بالتعاون على البر والتقوى،
والتناصر على الحق، ودعنا نقض هذه الحياة بصدور بريئةٍ من الغل، سليمةٍ من الضغائن
والحقد، ونلق الله تعالى بقلوب سليمةٍ من الضغن؛ وبعد، فالناس ثمامة فارفق بهم، واحن
عليهم، ولن لهم، ولا تشق نفسك بنا خاصةً منهم، واترك ناجم الحقد حصيداً، وطائر
الشرك واقعاً، وباب الفتنة مغلقاً، فلا قال ولا قيل، ولا لوم ولا تعنيف، والله على تقول
شهيد، وربما نحن عليه بصير.
قال أبو عبيدة: فلما تأهبت للنهوض قال عمر رضي الله عنه: كن لدى الباب هنيهةً فلي
معك دور من القول، فوقفت وما أدري ما كان بعدي إلا أنه لحقني بوجه يبدي تهللاً، وقال
لي: قل لعلي: الرقاد محلمه، والهوى مقحمه؛ "وما منا إلا له مقامٌ معلوم" وحقٌ مشاعٌ أو
مقسوم، ونبأٌ ظاهرٌ أو مكتوم؛ وإن أكيس الكيسي من منح الشارد تألفا، وقارب البعيد
تلطفاً؛ ووزن كل شيء بميزانه، ولم يخلط خبره بعيانه؛ ولم يجعل فترة مكان شبره ديناً كان أو
ديناً، ضلالاً كان أو هدى، ولا خير في علم مستعمل في جهل، ولا خير في معرفة مشوبة
بنكر، ولسنا كجلدة رفع البعير بين العجان والذنب، وكل صال فبناره، وكل سيل فإلى
¥