أني ما علمت أن التظاهر علي واقع ولي عن الحق الذي سبق سبق لي دافع وإذ قد أفعم
الوادي بي، وحشد النادي من أجلي، فلا مرحباً بما ساء أحداً من المسلمين وسرني، وفي
النفس كلامٌ لولا سابق عقد، وسالف عهد، لشفيت نفسي بخنصري وبنصري وخضت
لجنه بأخمصي ومفرقي، ولكني ملجمٌ إلى أن ألقى ربي، وعنده أحتسب ما نزل بي، وإني
غاد إلى جماعتكم مبايعٌ لصاحبكم، صابرٌ على ما ساءني وسركم، "ليقضي الله أمراً كان
مفعولاً"
قال أبو عبيدة: فعدت إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقصصت القول غره، ولم أختزل شيئاً
من حلوه ومره، وبكرت غدوةً إلى المسجد فلما كان صباح يومئذ إذاً عليّ يخترق الجماعة
إلى أبي بكر رضي الله عنهما، فبايعه، وقال خيراً ووصف جميلاً، وجلس زميتاً، واستأذن
للقيام فمضى، وتبعه عمر مكرماً له، مستثيراً لما عنده، فقال علي رضي الله عنه: ما
قعدت عن صاحبكم كارهاً له، ولا أتيته فرقاً، ولا أقول تعلة، وإني لأعرف منتهى طرفي،
ومحط قدمي، ومنزع قوسي، وموقع سهمي، ولكن قد أزمت على فأسي ثقةً بربي في الدنيا
والآخرة.
فقال له عمر رضي الله عنهما: كفكف غربك، واستوقف سربك ودع العصا بلجائها،
مفعولاً"
قال أبو عبيدة: فعدت إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقصصت القول غره، ولم أختزل شيئاً
من حلوه ومره، وبكرت غدوةً إلى المسجد فلما كان صباح يومئذ إذاً عليّ يخترق الجماعة
إلى أبي بكر رضي الله عنهما، فبايعه، وقال خيراً ووصف جميلاً، وجلس زميتاً، واستأذن
للقيام فمضى، وتبعه عمر مكرماً له، مستثيراً لما عنده، فقال علي رضي الله عنه: ما
قعدت عن صاحبكم كارهاً له، ولا أتيته فرقاً، ولا أقول تعلة، وإني لأعرف منتهى طرفي،
ومحط قدمي، ومنزع قوسي، وموقع سهمي، ولكن قد أزمت على فأسي ثقةً بربي في الدنيا
والآخرة.
فقال له عمر رضي الله عنهما: كفكف غربك، واستوقف سربك ودع العصا بلجائها،
والدلاء على رشائها، فإنا من خلفها وورائها؛ إن قدحنا أورينا، وإن متحنا أروينا، وإن
قرحنا أدمينا، ولقد سمعت أماثيلك التي لغزت فيها عن صدر أكل بالجوي، ولو شئت لقلت
على مقالتك ما إن سمعته ندمت على ما قلت؛ وزعمت أنك قعدت في كسر بيتك لما
وقذك به رسول الله صلى الله عليه وسلم من فقده، فهو وقذك ولم يقذ غيرك؟ بل مصابه
أعم وأعظم من ذلك، وإن من حق مصابه ألا تصدع شمل الجماعة بفرقة لا عصام لها، ولا
يؤمن كيد الشيطان في بقائها، هذه العرب حولنا، والله لو تداعت علينا في صبح نهار لم
نلتق في مسائه؛ وزعمت أن الشوق إلى اللحاق به كاف عن الطمع في غيره، فمن علامة
الشوق إليه نصرة دينه، ومؤازرة أوليائه ومعاونتهم؛ وزعمت أنك عكفت على عهد الله
تجمع ما تفرق منه، فمن العكوف على عهد الله النصيحة لعباد الله، والرأفة على خلق
الله، وبذل ما يصلحون به ويرشدون عليه؛ وزعمت أنك تعلم أن التظاهر وقع عليك، وأي
حق لط دونك؟ قد سمعت وعلمت ما قالت الأنصار بالأمس سراً وجهراً، وتقلبت عليه
بطناً وظهراً، فهل ذكرتك أو أشارت بك، أو وجدت رضاهم عنك؟ هل قال أحد منهم
بلسانه: إنك تصلح لهذا الأمر، أو أومأ بعينه، أو همهم في نفسه؟ أتظن أن الناس ضلوا من
أجلك، وعادوا كفاراً زهداً فيك وباعوا الله تعالى تحاملا عليك؟ لا والله، لقد جاءني
عقيل بن زيادٍ الخزرجي "في نفر من أصحابه ومعهم شرجبيل بن يعقوب الخزرجي" وقالوا:
إن علياً ينتظر الإمامة، ويزعم أنه أولى بها من غيره، وينكر على من يعقد الخلافة، فأنكرت
عليهم، ورددت القول في نحورهم حين قالوا: إنه ينتظر الوحي، ويتوكف مناجاة الملك،
فقلت: ذلك أمرٌ طواه الله تعالى بعد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أكان الأمر معقوداً
بأنشوطة، أو مشدوداً بأطراف ليطة؟ كلا والله، لا عجماء بحمد الله إلا وقد أفصحت،
ولا شوكاء إلا وقد تفتحت؛ ومن أعجب شأنك قولك: لولا سالف عهد، وسابق عقد،
لشفيت غيظي، وهل ترك الدين لأهله أن يشفوا غيظهم بيد أو لسان؟ تلك جاهليةٌ قد
استأصل الله شأفتها، واقتلع جرثومتها؛ وهور ليلها، وغور سيلها؛ وأبدل منها الروح
والريحان، والهدى والبرهان؛ وزعمت أنك ملجم، ولعمري إن من اتقى الله، وآثر رضاه،
وطلب ما عنده، أمسك لسانه، وأطبق فاه، وجعل سعيه لما وراه.
فقال علي رضي الله عنه: مهلا مهلا يا أبا حفص، والله ما بذلت ما بذلت وأنا أريد نكثه،
ولا أقررت ما أقررت وأنا أبتغي حولاً عنه؛ وإن أخسر الناس صفقةً عند الله من آثر
النفاق، واحتضن الشقاق؛ وفي الله سلوةٌ عن كل حادث، وعليه التوكل في كل الحوادث؛
ارجع يا أبا حفص إلى مجلسك ناقع القلب، مبرود الغليل، فسيح اللبان، فصيح اللسان،
فليس وراء ما سمعت وقلت إلا ما يشد الأزر، ويحط الوزر، ويضع الإصر، ويجمع الألفة
بمشيئة الله وتوفيقه.
قال أبو عبيدة رضي الله عنه: فانصرف علي وعمر رضي الله عنهما، وهذا أصعب ما
مر علي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ
هذا وفي الرسالة بعض الإختلاف مع الرسالة المخطوطة هذه
¥