ووصايا علي المبدوءة بـ (يا) إلا (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى)،
وقد وقع لطائفة من متأخري المفسرين والمحدثين كثير من هذا، لا يعرفه تحقيقًا
إلا الواقف على الأحاديث الصحاح.
(وللحديث الموضوع علامات)
(1) منها المجازفات التي لا يقول مثلها الرسول صلى الله عليه وسلم
مثل: من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائرًا له سبعون ألف لسان
لكل لسان سبعون ألف ألف لغة، إلى آخر المفترى.
(2) ومنها تكذيب الحس له، كحديث الباذنجان شفاء من كل داء، وحديث
إن القمر دخل في جيب النبي صلى الله عليه وسلم وخرج من كمه، وحديث رد
الشمس إلى علي بن أبي طالب.
(3) ومنها سماجة الكلام، وكونه مما يسخر منه كحديث لو كان الرز
رجلاً لكان حليمًا، ما أكله جائع إلا شبّعه، وحديث قدس العدس على لسان سبعين
نبيًّا آخرهم عيسى عليه السلام.
(4) ومنها مناقضته لما جاءت به السنة الصريحة، فمن ذلك أحاديث
مَن اسمه محمد و أحمد وأن كل من يسمى بهذا الاسم لا تمس جسده النار، إذ
المعلوم من الدين أن النار لا يُجَار منها بالأسماء والألقاب، وإنما النجدة منها
بالإيمان والعمل الصالح المقبول.
(5) ومنها قيام الشواهد الصحيحة على بطلانه، كحديث عوج بن عنق
من أن طوله 3360 ذراعًا، وأنه كان يشوي الحوت في عين الشمس، وأنه
قال لنوح احملني على قصعتك، يريد السفينة، وأنه قلع صخرة عظيمة على
قدر عسكر وأراد أن يسحقهم بها، فقورها الله على عنقه إلخ. إذ هذا يدل على
أنه عاصر نوحًا و موسى وأنه ليس من ذرية نوح مع أن الله يقول:? وَجَعَلْنَا
ذُرِّيَّتَهُ هُمُ البَاقِينَ ? (الصافات: 77) وفي هذا الهذيان مناقضات أخرى
تدرك بأقل مسكة، وكحديث إن (ق) جبل من زمرذة خضراء محيطة بالدنيا،
كإحاطة الحائط بالبستان، والسماء واضعة أكتافها عليه فزرقتها منه، وحديث
الأرض على صخرة، والصخر على قرن ثور ... إلخ
(6) ومنها مخالفته لصريح القرآن، كحديث مقدار الدنيا، وأنها سبعة
آلاف سنة، وأن الذاهب منها كذا، فإن ذلك يدل على علم الساعة مع أن تعالى
يقول: ? قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّه ? (الأعراف: 187).
(7) ومنها اقترانه بما يبطله، كحديث وضع الجزية عن أهل خيبر؛
لأنها لم تكن نزلت إذ ذاك، وإنما نزلت بعد عام تبوك، ووضعها الرسول صلى
الله عليه وسلم على نصارى نجران واليمن.
(8) ومنها مناقضته للفضيلة، كالأحاديث الدالة على الشره في الأكل،
كوصفهم أَكْلِه صلى الله عليه وسلم العنب بما لا مساغ لذكره، أو الدالة على
ترغيب في شهوة، كحديث النظر إلى الوجه الجميل عبادة.
(9) ومنها مناقضته العقيدة كحديث لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه،
ولا بد أن يكون هذا من وضع المشركين عُبَّاد الأوثان، ولقد رسخ هذا الحديث
المزور في أذهان أغلب أهل هذا الزمان رسوخًا متينًا، حتى كاد يكون معناه
ملكة فيهم، فهم يتسابقون إلى العمل بمعناه أكثر مما يتسابقون إلى الجماعة
والصف الأول، حتى لو أنك نهيتهم عن التمسك بعامود السيد في مسجد
الحسين، أو شجرة الحنفي، أو باب زويلة (بوابة المتولي) أو أخشاب ضريح،
لأجابوك جميعًا بهذا الحديث، كأن الشيطان ما ترك نسمة فيهم إلا ولقَّنَها
الضلال البعيد.
ومن الأحاديث التي لا أصل لها أحاديث الحمام، واتخاذ الدجاج، وذم الأولاد
والتواريخ المستقبلة، وفضائل السور، ومدح العزوبة، والنهي عن الطعام في
السوق، وفضائل الأزهار والحناء، وحديث إن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم،
وغير ذلك مما يطول بي إيراده، ولست أعجب من العامة وصنعهم هذا، ولكن
العجب العُجَاب من أهل العلم الذين يرون هذا المنكر رأي العين صباح مساء،
ويتأولون له، كأنما أعمال هؤلاء السوقة وحي سماوي متشابه يجب تأويله في رأي
العلماء المتأخرين، اللهم ألهمنا السداد، ووفقنا إلى سبيل الرشاد.
والداهية الدهياء أن الناس الآن أخذت تروي الأحاديث من غير إجازة ولا
تلقين، وحَوَّل العلماء وجهتهم إلى فروع الفقه وآلات التفسير والتوحيد، وانصرفوا
عن الحديث إلا ما كان منه قراءة على سبيل التبرك، فراجت سوق الأراجيف
المعزوّة للدين، واختلط الباطل بالحق فمهدوا بهذا للطاعنين على الدين سبلاً كانت
¥