قُلْتُ: بِشْرٌ: عَظِيْمُ القَدْرِ كَأَحْمَدَ، وَلاَ نَدْرِي وَزنَ الأَعْمَالِ، إِنَّمَا اللهُ يَعلَمُ ذَلِكَ. (11/ 202)
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّهَاوَنْدِيُّ: سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ الفَسَوِيَّ يَقُوْلُ:
كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ، حُجَّتِي فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ رَجُلاَنِ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ.
وَبِالإِسْنَادِ إِلَى الأَنْصَارِيِّ شَيْخِ الإِسْلاَمِ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا مَنْصُوْرُ بنُ عَبْد اللهِ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ البُخَارِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيَّ - وَذكرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ - فَقَالَ:
هُوَ عِنْدِي أَفْضَلُ وَأَفْقَهُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ سُفْيَانَ لَمْ يُمْتَحَنْ بِمِثلِ مَا امتُحِنَ بِهِ أَحْمَدُ، وَلاَ عِلْمُ سُفْيَانَ وَمَنْ يُقدَّمُ مِنْ فُقَهَاءِ الأَمصَارِ كَعِلمِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؛ لأَنَّه كَانَ أَجْمَعَ لَهَا، وَأَبصَرَ بِأَغَاليطِهم وَصَدُوقِهم وَكَذُوْبِهم.
قَالَ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ:
قَامَ أَحْمَدُ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحْمَدُ عِنْدَنَا امْتُحِنَ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَكَانَ فِيْهِمَا مُعْتَصِماً بِاللهِ.
قَالَ أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ: كُنَّا عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَرْعَرَةَ، فَذَكَرُوا يَعْلَى بنَ عَاصِمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُضَعِّفُهُ.
فَقَالَ رَجُلٌ: وَمَا يَضُرُّه إِذَا كَانَ ثِقَةً؟
فَقَالَ ابْنُ عَرْعَرَةَ: وَاللهِ لَوْ تَكَلَّمَ أَحْمَدُ فِي عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ، لَضَرَّهُمَا.
وَقَالَ الحُنَيْنِيُّ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ الخَلِيْلِ يَقُوْلُ:
لَوْ كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ، لَكَانَ آيَةً.
وَعَنْ عَلِيِّ بنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: عِنْدَنَا المَثَلُ الكَائِنُ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ، مِنْ أَنَّ أَحَدَهُم كَانَ يُوضَعُ المِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِه، مَا يَصْرِفُه ذَلِكَ عَنْ دِيْنِه، وَلَوْلاَ أَنَّ أَحْمَدَ قَامَ بِهَذَا الشَّأْنِ، لَكَانَ عَاراً عَلَيْنَا أَنَّ قَوْماً سُبِكُوا، فَلَمْ يَخرُجْ مِنْهُم أَحَدٌ. (11/ 203)
قَالَ ابْنُ سَلْمٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ نَصْرٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ:
صِرْتُ إِلَى دَارِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ مِرَاراً، وَسَأَلْتُه عَنْ مَسَائِلَ، فَقِيْلَ لَهُ: أَكَانَ أَكْثرَ حَدِيْثاً أَمْ إِسْحَاقُ؟
قَالَ: بَلْ أَحْمَدُ أَكْثَرُ حَدِيْثاً وَأَوْرَعُ، أَحْمَدُ فَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ.
قُلْتُ: كَانَ أَحْمَدُ عَظِيْمَ الشَّأْنِ، رَأْساً فِي الحَدِيْثِ وَفِي الفِقْهِ، وَفِي التَّأَلُّهِ، أَثْنَى عَلَيْهِ خَلقٌ مِنْ خُصُومِهِ، فَمَا الظَّنُّ بِإِخْوَانِهِ وَأَقْرَانِه؟!
وَكَانَ مَهِيْباً فِي ذَاتِ اللهِ، حَتَّى لَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَا هِبْتُ أَحَداً فِي مَسْأَلَةٍ، مَا هِبتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: عَالِمُ وَقْتِهِ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ فِي زَمَانِهِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي زَمَانِهِ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي زَمَانِهِ.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ الأَسَدِيِّ: أَخبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرْنَا اللَّبَّانُ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ، قَالَ:
يُشَبَّهُ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ بِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؟ أَيْهَاتَ!! مَا أَشْبَهَ السُّكَّ بِاللُّكِّ، لَقَدْ حَضَرتُ مِنْ وَرَعِهِ شَيْئاً بِمَكَّةَ:
أَنَّهُ أَرْهَنَ سَطلاً عِنْد فَامِيٍّ، فَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً لِيُقَوِّتَه، فَجَاءَ، فَأَعطَاهُ فِكَاكَهُ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ سَطلَينِ، فَقَالَ: انْظُرْ أَيَّهُمَا سَطْلُكَ؟
فَقَالَ: لاَ أَدْرِي أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ، وَمَا أَعْطَيتُكَ، وَلَمْ يَأْخُذْهُ.
¥