فَظننتُ أَنَّهُ كَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، أَوْ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ.
الصَّنْدَلِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَلْخِيُّ:
أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ كَثِيْراً عِنْدَ مُحَمَّدِ ابْنِ زُبَيْدَةَ -يَعْنِي: الأَمِيْنَ- فَذَكَرَ لَهُ مُحَمَّدٌ يَوْماً اغتمَامَه بِرجلٍ يَصلُحُ لِلْقَضَاءِ صَاحِبِ سُنَّةٍ.
قَالَ: قَدْ وَجدتَ.
قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟
فَذَكَرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
قَالَ: فَلَقِيَهُ أَحْمَدُ، فَقَالَ: أَخْمِلْ هَذَا، وَاعفنِي، وَإِلاَّ خَرَجتُ مِنَ البَلدِ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: كتبَ إِلَيَّ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه:
إِنَّ الأَمِيْرَ عَبْدَ اللهِ بنَ طَاهِرٍ وَجَّهَ إِلَيَّ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ وَفِي يَدِي كِتَابُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قُلْتُ: كِتَابُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
فَأَخذَه وَقرَأهُ، وَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّه، وَأُحِبُّ حَمْزَةَ بنَ الهَيْصَمِ البُوْشَنْجِيَّ؛ لأَنَّهُمَا لَمْ يَخْتَلِطَا بِأَمرِ السُّلْطَانِ.
قَالَ: فَأمسكَ أَبِي عَنْ مُكَاتِبَةِ إِسْحَاقَ. (11/ 225)
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيَّ يَقُوْلُ:
قَدمتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَجَعَلَ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيَّ، فَقُلْتُ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنهُ يُكتبُ عَنِّي بِخُرَاسَانَ، وَإِنْ عَامَلتَنِي هَذِهِ المُعَامَلَةَ، رَمَوْا حَدِيْثِي.
قَالَ: يَا أَحْمَدُ، هَلْ بُدٌّ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ أَنْ يُقَالَ: أَيْنَ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ وَأَتْبَاعُه؟ فَانْظُرْ أَيْنَ تَكُوْنُ مِنْهُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ بِشْرٍ الطَّالْقَانِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ طَارِقٍ البَغْدَادِيَّ يَقُوْلُ:
قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: أَسْتمِدُّ مِن مِحْبَرَتِكَ.
فَنَظَر إِلَيَّ، وَقَالَ: لَمْ يَبلغْ وَرعِي وَرعَكَ هَذَا، وَتَبَسَّمَ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: الرَّجُلُ يُقَالُ فِي وَجْهِهِ: أَحببتَ السُّنَّةَ.
قَالَ: هَذَا فَسَادٌ لِقَلبِهِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ وَقَدْ قَالَ لَهُ خُرَاسَانِيٌّ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي رَأَيْتُكَ.
قَالَ: اقعُدْ، أَيُّ شَيْءٍ ذَا؟ مَنْ أَنَا؟
وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَثرَ الغَمِّ فِي وَجْهِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَقَدْ أَثنَى عَلَيْهِ شَخصٌ، وَقِيْلَ لَهُ: جَزَاكَ اللهُ عَنِ الإِسْلاَمِ خَيْراً.
قَالَ: بَلْ جَزَى اللهُ الإِسْلاَمَ عَنِّي خَيْراً، مَنْ أَنَا؟ وَمَا أَنَا؟!
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ:
مَسحتُ يَدِي عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَهُوَ يَنْظُرُ، فَغَضِبَ، وَجَعَلَ يَنفُضُ يَدَه، وَيَقُوْلُ: عَمَّنْ أَخذتُم هَذَا؟
وَقَالَ خَطَّابُ بنُ بِشْرٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الوَرَعِ، فَتَبَيَّنَ الاغتمَامُ عَلَيْهِ إِزرَاءً عَلَى نَفْسِهِ. (11/ 226)
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَكرَ أَخْلاَقَ الوَرِعينَ، فَقَالَ: أَسْأَلُ اللهَ أَنْ لاَ يَمقُتَنَا، أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَؤُلاَءِ؟!!
فَقَالَ الأَبَّارُ: سَمِعْتُ رَجُلاً سَألَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَلفتُ بِيَمِيْنٍ لاَ أَدرِي أَيْشٍ هِيَ؟
فَقَالَ: لَيتَكَ إِذَا دَرَيْتَ، دَرَيْتُ أَنَا.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ يُجيبُ فِي العُرسِ وَالخِتَانِ، وَيَأْكُلُ.
وَذَكرَ غَيْرُه: أَنَّ أَحْمَدَ رُبَّمَا اسْتَعفَى مِنَ الإِجَابَةِ.
وَكَانَ إِنْ رَأَى إِنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ مُنْكَراً، خَرَجَ.
وَكَانَ يُحِبُّ الخمُوْلَ وَالانزوَاءَ عَنِ النَّاسِ، وَيَعُودُ المريضَ، وَكَانَ يَكْرَهُ المشْيَ فِي الأَسواقِ، وَيُؤثِرُ الوَحدَةَ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ فَتْحَ بنَ نُوْحٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
أَشتهِي مَا لاَ يَكُوْنُ، أَشْتَهِي مَكَاناً لاَ يَكُوْنُ فِيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ.
¥