قَالَ: كَلاَّ، إِن ظُهورَ البَاطِلِ عَلَى الحَقِّ أَنْ تَنْتَقِلَ القُلُوْبُ مِنَ الهُدَى إِلَى الضَّلاَلَةِ، وَقُلُوْبُنَا بَعْدُ لاَزمَةٌ لِلْحقِّ. (11/ 239)
الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الأَنْبَارِيَّ يَقُوْلُ:
لَمَّا حُمِلَ أَحْمَدُ إِلَى المَأْمُوْنِ، أُخبرتُ، فَعَبَرْتُ الفُرَاتَ، فَإذَا هُوَ جَالِسٌ فِي الخَانِ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، تَعَنَّيْتَ.
فَقُلْتُ: يَا هَذَا، أَنْتَ اليَوْمَ رَأسٌ، وَالنَّاسُ يَقتدُوْنَ بِكَ، فَوَ اللهِ لَئِنْ أَجبتَ إِلَى خَلقِ القُرْآنِ، لَيُجِيْبَنَّ خَلقٌ، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تُجِبْ، لَيَمْتَنِعَنَّ خَلْقٌ مِنَ النَّاسِ كَثِيْرٌ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ الرَّجُلَ إِنْ لَمْ يَقْتُلْكَ فَإِنَّك تَمُوتُ، لاَبُدَّ مِنَ المَوْتِ، فَاتَّقِ اللهَ وَلاَ تُجِبْ.
فَجَعَلَ أَحْمَدُ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ: مَا شَاءَ اللهُ.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، أَعِدْ عَلَيَّ.
فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: مَا شَاءَ اللهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَدَمِيُّ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
أَوّلُ يَوْمٍ امَتَحَنه إِسْحَاقُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَقعدَ فِي مَسْجِدِه، فَقَالَ لَهُ جَمَاعَةٌ: أَخْبِرْنَا بِمَنْ أَجَابَ.
فَكَأنَّهُ ثَقُلَ عَلَيْهِ، فَكَلَّمُوهُ أيْضاً.
قَالَ: فَلَمْ يُجِبْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا - وَالحَمْدُ للهِ -.
ثُمَّ ذَكرَ مَنْ أَجَابَ وَمَنْ وَاتَاهُم عَلَى أَكْثَرِ مَا أَرَادُوا، فَقَالَ: هُوَ مَجْعُولٌ مُحْدَثٌ.
وَامتَحَنَهُم مَرَّةً مَرَّةً، وَامتَحَنَنِي مَرَّتينِ مَرَّتينِ، فَقَالَ لِي: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟
قُلْتُ: كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
فَأَقَامَنِي وَأَجْلَسَنِي فِي نَاحِيَةٍ، ثُمَّ سَأَلهُم، ثُمَّ رَدَّنِي ثَانيَةً، فَسَأَلنِي وَأَخَذَنِي فِي التَّشبيهِ.
فَقُلْتُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ} [الشُّورَى:11].
فَقَالَ لِي: وَمَا السَّمِيعُ البَصِيرُ؟
فَقُلْتُ: هَكَذَا قَالَ تَعَالَى.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: جَعَلُوا يُذَاكرُوْنَ أَبَا عَبْدِ اللهِ بِالرَّقَّةِ فِي التَّقِيَّةِ وَمَا رُوِيَ فِيْهَا.
فَقَالَ: كَيْفَ تَصْنَعُوْنَ بِحَدِيْثِ خَبَّابٍ: (إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ يُنْشَرُ أَحَدُهُمْ بِالمِنْشَارِ، لاَ يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِيْنِهِ).
فَأَيِسنَا مِنْهُ. (11/ 240)
وَقَالَ: لَسْتُ أُبالِي بِالحَبْسِ، مَا هُوَ وَمَنْزِلِي إِلاَّ وَاحِدٌ، وَلاَ قَتلاً بِالسَّيْفِ، إِنَّمَا أَخَافُ فِتْنَةَ السَّوْطِ.
فَسَمِعَهُ بَعْضُ أَهْل الحَبْسِ، فَقَالَ: لاَ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَمَا هُوَ إِلاَّ سَوْطَانِ، ثُمَّ لاَ تَدْرِي أَيْنَ يَقَعُ البَاقِي، فَكَأَنَّهُ سُرِّي عَنْهُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُصْعَبٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ صَاحِبُ شُرطَةِ المُعْتَصِمِ خِلاَفَةً لأَخِيهِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً لَمْ يُدَاخِلِ السُّلْطَانَ، وَلاَ خَالَطَ المُلُوْكَ، كَانَ أَثبتَ قَلْباً مِنْ أَحْمَدَ يَوْمَئِذٍ، مَا نَحْنُ فِي عَيْنِهِ إِلاَّ كَأَمثَالِ الذُّبَابِ.
وحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ هُوَ حَدَّثَنِي:
أنَّهُم أَنْفَذوهُ إِلَى أَحْمَدَ فِي مَحبسِه لِيُكَلِّمهُ فِي مَعْنَى التَّقيَّةِ، فَلَعَلَّهُ يُجِيْبُ.
قَالَ: فَصِرْتُ إِلَيْهِ أُكلِّمُهُ، حَتَّى إِذَا أَكْثَرتُ وَهُوَ لاَ يُجِيبنِي.
ثُمَّ قَالَ لِي: مَا قَوْلُكَ اليَوْمَ فِي سَجْدَتَيِ السَّهوِ؟
وَإِنَّمَا أَرسلُوهُ إِلَى أَحْمَدَ لِلإِلفِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحْمَدَ أَيَّامَ لُزُوْمِهِمُ الشَّافِعِيَّ.
¥