تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى اكتَرَينَا لَهُ دَاراً، وَكَانَتْ تَأتِينَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَائِدَةٌ فِيْهَا أَلوَانٌ يَأمُرُ بِهَا المُتَوَكِّلُ وَالثَّلجُ وَالفَاكهَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَمَا ذَاقَ مِنْهَا أَبُو عَبْدِ اللهِ شَيْئاً، وَلاَ نَظَرَ إِلَيْهَا، وَكَانَ نَفَقَةُ المَائِدَةِ فِي اليَوْمِ مائَةً وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً. (11/ 270)

وَكَانَ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ، وَابْنُهُ عُبَيْدُ اللهِ، وَعَلِيُّ بنُ الجَهْمِ يَخْتَلِفُوْنَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بِرِسَالَةِ المُتَوَكِّلِ، وَدَامتِ العِلَّةُ بِأَبِي عَبْدِ اللهِ، وَضَعُفَ شَدِيْداً.

وَكَانَ يُوَاصِلُ، وَمكثَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشربُ، فَفِي الثَّامِنِ دَخَلتُ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَادَ أَنْ يُطفَأَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! ابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَ يُوَاصِلُ سَبْعَةً، وَهَذَا لَكَ اليَوْمَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ!

قَالَ: إِنِّي مُطيقٌ.

قُلْتُ: بِحقِّي عَلَيْكَ.

قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ.

فَأَتَيْتُه بِسَوِيْقٍ، فَشربَ، وَوجَّهَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ بِمَالٍ عَظِيْمٍ، فَرَدَّهُ، فَقَالَ لَهُ عُبَيْد اللهِ بنُ يَحْيَى: فَإِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَدفَعَهَا إِلَى وَلَدِكَ وَأَهلِكَ.

قَالَ: هُم مُستَغْنُوْنَ.

فَرَدَّهَا عَلَيْهِ، فَأَخذَهَا عُبَيْدُ اللهِ، فَقَسَمَهَا عَلَى وَلَدِهِ، ثُمَّ أَجْرَى المُتَوَكِّلُ عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّهُم فِي كِفَايَةٍ، وَلَيْسَتْ بِهِم حَاجَةٌ.

فَبَعَثَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ: إِنَّمَا هَذَا لِوَلَدِكَ، فَمَا لَكَ وَلِهَذَا؟

فَأمسَكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَلَمْ يَزَلْ يُجرِي عَلَيْنَا حَتَّى مَاتَ المُتَوَكِّلُ.

وَجَرَى بَيْنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَبَيْنَ أَبِي كَلاَمٌ كَثِيْرٌ، وَقَالَ: يَا عَمِّ! مَا بَقِيَ مِنْ أَعمَارِنَا، كَأَنَّكَ بِالأمرِ قَدْ نَزَلَ، فَاللهَ اللهَ، فَإِنَّ أَوْلاَدَنَا إِنَّمَا يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَأكُلُوا بِنَا، وَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ قَلاَئِلُ، وَإِنَّمَا هَذِهِ فِتْنَةٌ. (11/ 271)

قَالَ أَبِي: فَقُلْتُ: أَرْجُو أَنْ يُؤمِّنَكَ اللهُ مِمَّا تَحذَرُ.

فَقَالَ: كَيْفَ وَأَنْتُم لاَ تَترُكُوْنَ طَعَامَهُم وَلاَ جَوَائِزَهُم؟ لَوْ تَركتُمُوهَا، لَتَرَكُوكُم، مَاذَا نَنتَظِرُ؟ إِنَّمَا هُوَ المَوْتُ، فَإِمَّا إِلَى جنَّةٍ، وَإِمَّا إِلَى نَارٍ، فَطُوْبَى لِمَنْ قَدِمَ عَلَى خَيْرٍ.

قَالَ: فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ أُمرتَ مَا جَاءكَ مِنْ هَذَا المَالِ مِنْ غَيْرِ إِشرَافِ نَفْسٍ وَلاَ مَسْأَلَةٍ أَنْ تَأْخُذَه؟

قَالَ: قَدْ أَخذتُ مَرَّةً بِلاَ إِشرَافِ نَفْسٍ، فَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ؟ أَلَمْ تَسْتَشرِفْ نَفْسُكَ؟

قُلْتُ: أَفَلَمْ يَأْخُذِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ؟

فَقَالَ: مَا هَذَا وَذَاكَ!

وَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا المَالَ يُؤْخَذُ مِنْ وَجْهِه، وَلاَ يَكُوْنُ فِيْهِ ظُلمٌ وَلاَ حَيْفٌ، لَمْ أُبالِ.

قَالَ حَنْبَلٌ: وَلَمَّا طَالتْ عِلَّةُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، كَانَ المُتَوَكِّلُ يَبْعَثُ بِابْنِ مَاسَوَيْه المُتَطَبِّبِ، فَيَصِفُ لَهُ الأَدْوِيَةَ، فَلاَ يَتَعَالَجُ، وَيَدْخُلُ ابْنُ مَاسَوَيْه، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لَيْسَتْ بِأَحْمَدَ عِلَّةٌ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ وَالعِبَادَةِ.

فَسَكَتَ المُتَوَكِّلُ.

وَبَلَغَ أُمَّ المُتَوَكِّلِ خَبَرُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَتْ لاِبْنِهَا: أَشْتَهِي أَنْ أَرَى هَذَا الرَّجُلَ.

فَوَجَّهَ المُتَوَكِّلُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى ابْنِهِ المُعْتَزِّ، وَيَدْعُوَ لَهُ، وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَيَجْعَلَهُ فِي حَجْرِهِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير