تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قَالَ: وَمَكثَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً يُفطِرُ كُلَّ ثَلاَثٍ عَلَى ثُمْنِ سَوِيْقٍ، ثُمَّ جَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يُفطِرُ لَيْلَةً عَلَى رَغِيْفٍ، وَلَيْلَةً لاَ يُفْطِرُ، وَإِذَا جَاؤُوا بِالمَائِدَةِ، تُوضَعُ فِي الدِّهلِيْزِ لِئَلاَّ يَرَاهَا، وَكَانَ إِذَا أَجْهَدَهُ الحَرُّ، بَلَّ خِرقَةً، فَيَضَعُهَا عَلَى صَدْرِه، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ يُوجَّهُ إِلَيْهِ بِابْنِ مَاسَوَيْهِ، فَينظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَنَا أَمِيلُ إِلَيْكَ وَإِلَى أَصْحَابِكَ، وَمَا بِكَ عِلَّةٌ سِوَى الضَّعْفِ وَقِلَّةِ الرِّزِّ. (11/ 276)

قَالَ: وَجَعَلَ يَعْقُوْبُ وَغِيَاثٌ يَصِيرَانِ إِلَيْهِ، وَيَقُوْلاَنِ لَهُ: يَقُوْلُ لَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: مَا تَقُوْلُ فِي ابْنِ أَبِي دُوَادَ وَفِي مَالِهِ؟

فَلاَ يُجِيْبُ بِشَيْءٍ.

وَجَعَلَ يَعْقُوْبُ وَيَحْيَى يُخبِرَانِهِ بِمَا يَحدُثُ فِي أَمرِ ابْنِ دُوَادَ.

ثُمَّ بَعثَ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ مَا أَشهَدَ عَلَيْهِ بِبَيعِ ضِيَاعِهِ، وَكَانَ رُبَّمَا جَاءَ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ - وَأَبُو عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي - فَيَجْلسُ فِي الدِّهْلِيْزِ حَتَّى يَفرغَ مِنَ الصَّلاَةِ.

وَأَمرَ المُتَوَكِّلُ أَنْ تُشْتَرَى لَنَا دَارٌ، فَقَالَ: يَا صَالِحُ.

قُلْتُ: لَبَّيكَ.

قَالَ: لَئِنْ أَقررتَ لَهُم بِشِرَاءِ دَارٍ، لَتَكُونَّنَ القَطيعَةُ بَيْنِي وَبَيْنَكُم، إِنَّمَا يُرِيْدُوْنَ أَنْ يُصَيِّرُوا هَذَا البَلَدَ لِي مَأوَىً.

فَلَمْ يَزَلْ يُدَافعُ بِشرَاءِ الدَّارِ حَتَّى انْدَفَعَ.

وَجَعَلتْ رُسلُ المُتَوَكِّلِ تَأْتِيهِ يَسْأَلُوْنَه عَنْ خَبَرِهِ، وَيَرجِعُوْنَ، فَيَقُوْلُوْنَ: هُوَ ضَعِيْفٌ.

وَفِي خِلاَلِ ذَلِكَ يَقُوْلُوْنَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَرَاكَ.

وَجَاءهُ يَعْقُوْبُ، فَقَالَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مُشتَاقٌ إِلَيْكَ، وَيَقُوْلُ: انْظُرْ يَوْماً تَصِيْرُ فِيْهِ - أَيَّ يَوْمٍ - حَتَّى أُعَرِّفَهَ.

فَقَالَ: ذَاكَ إِلَيْكُم.

فَقَالَ: يَوْمُ الأَربِعَاءِ، وَخَرَجَ.

فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، جَاءَ، فَقَالَ: البُشْرَى يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَقرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: قَدْ أَعفَيتُكَ مِنْ لُبسِ السُّودِ وَالرُّكوبِ إِلَى وُلاَةِ العُهُوْدِ وَإِلَى الدَّارِ، فَالبَسْ مَا شِئْتَ.

فَجَعَلَ يَحمَدُ اللهَ عَلَى ذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَ يَعْقُوْبُ: إِنَّ لِي ابْناً بِهِ مُعْجَبٌ، وَإِنَّ لَهُ فِي قَلْبِي مَوقِعاً، فَأُحِبُّ أَنْ تُحَدِّثَه بأَحَادِيْثَ.

فَسَكَتَ، فلمَا خَرَجَ، قَالَ: أَتُرَاهُ لاَ يَرَى مَا أَنَا فِيْهِ؟!!

وَكَانَ يَختِمُ القُرْآنَ مِنْ جُمُعَةٍ إِلَى جُمُعَةٍ، وَإِذَا خَتمَ، دَعَا، وَنَحْنُ نُؤَمِّنُ، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةَ الجُمُعَةِ، وَجَّهَ إِلَيَّ وَإِلَى أَخِي. (11/ 277)

فَلَمَّا خَتمَ، جَعَلَ يَدعُو وَنَحْنُ نُؤَمِّنُ، فَلَمَّا فَرَغَ، جَعَلَ يَقُوْلُ: أَستَخِيرُ اللهَ مَرَّاتٍ.

فَجعلتُ أَقُوْلُ: مَا يُرِيْدُ؟

ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أُعْطِي اللهَ عَهداً، إِنَّ عَهدَه كَانَ مَسْؤُوْلاً، وَقَالَ -تَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُوْدِ} [المَائِدَةُ: 1] إِنِّي لاَ أُحدِّثُ بِحَدِيْثٍ تَمَامٍ أَبَداً حَتَّى أَلقَى اللهَ، وَلاَ أَسْتَثنِي مِنْكُم أَحَداً.

فَخَرَجْنَا، وَجَاءَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: إِنَا للهِ وَإِنَا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَأُخبِرَ المُتَوَكِّلُ بِذَلِكَ.

وَقَالَ: إِنَّمَا يُرِيْدُوْنَ أُحدِّثُ، وَيَكُوْنُ هَذَا البَلَدُ حَبْسِي، وَإِنَّمَا كَانَ سَبَبَ الَّذِيْنَ أَقَامُوا بِهَذَا البَلَدِ لَمَّا أُعطُوا فَقَبِلُوا، وَأُمِرُوا فَحَدَّثُوا، وَاللهِ لَقَدْ تَمنَّيتُ المَوْتَ فِي الأَمْرِ الَّذِي كَانَ، وَإِنِّي لأَتَمنَّى المَوْتَ فِي هَذَا وَذَاكَ، إِنَّ هَذَا فِتْنَةَ الدُّنْيا، وَذَاكَ كَانَ فِتنَةَ الدِّينِ.

ثُمَّ جَعَل يَضُمُّ أَصَابعَه، وَيَقُوْلُ: لَوْ كَانَ نَفْسِي فِي يَدِي، لأَرسَلْتُهَا.

ثُمَّ يَفتَحُ أَصَابِعَه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير