تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَكَانَ المُتَوَكِّلُ يُكثرُ السُّؤَالَ عَنْهُ، وَفِي خِلاَلِ ذَلِكَ يَأْمرُ لَنَا بِالمَالِ، وَيَقُوْلُ: لاَ يَعلَمْ شَيْخُهُم فَيَغْتَمَّ، مَا يُرِيْدُ مِنْهُم؟ إِنْ كَانَ هُوَ لاَ يُرِيْدُ الدُّنْيَا، فَلِمَ يَمْنَعُهُم؟!

وَقَالُوا لِلْمُتَوَكِّلِ: إِنَّه لاَ يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِكَ، وَلاَ يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِكَ، وَيُحرِّمُ الَّذِي تَشربُ.

فَقَالَ: لَوْ نُشِرَ لِيَ المُعْتَصِمُ، وَقَالَ فِيْهِ شَيْئاً، لَمْ أَقبَلْ مِنْهُ.

قَالَ صَالِحٌ: ثُمَّ انحدرتُ إِلَى بَغْدَادَ، وَخَلَّفتُ عَبْدَ اللهِ عِنْدَهُ، فَإذَا عَبْدُ اللهِ قَدْ قَدِمَ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟

قَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أَنْحَدِرَ.

وَقَالَ: قُلْ لِصَالِحٍ: لاَ تَخرُجْ، فَأَنْتُم كُنْتُم آفَتِي، وَاللهِ لَوْ اسْتَقبلتُ مِنْ أَمرِي مَا اسْتدبرتُ، مَا أَخْرَجتُ وَاحِداً مِنْكُم مَعِي، لَولاَكُم لِمَنْ كانتْ تُوضَعُ هَذِهِ المَائِدَةُ، وَتُفرَشُ الفُرُشُ، وَتُجرَى الأَجْرَاءُ؟ (11/ 278)

فَكتبتُ إِلَيْهِ أُعْلِمُه بِمَا قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ، فَكَتَبَ إِلَيَّ بِخَطِّهِ:

أَحسنَ اللهُ عَاقبَتكَ، وَدَفَعَ عَنْكَ كُلَّ مَكرُوهٍ وَمَحذُورٍ، الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى الكِتَابِ إِلَيْكَ الَّذِي قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ، لاَ يَأْتِينِي مِنْكُم أَحَدٌ رَجَاءَ أَنْ يَنقطِعَ ذِكْرِي وَيَخمُلَ، وَإِذَا كُنْتُم هَا هُنَا، فَشَا ذِكرِي، وَكَانَ يَجتمعُ إِلَيْكُم قَوْمٌ يَنقُلُوْنَ أَخبَارَنَا، وَلَمْ يَكُنْ إِلاَّ خَيْرٌ، فَإِنْ أَقَمْتَ فَلَمْ يَأْتِنِي أَنْتَ وَلاَ أَخُوكَ، فَهُوَ رِضَائِي، وَلاَ تَجعلْ فِي نَفْسِكَ إِلاَّ خَيْراً، وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ.

قَالَ: وَلَمَّا سَافَرْنَا، رُفِعَتِ المَائِدَةُ وَالفُرُشُ، وَكُلُّ مَا أُقِيمَ لَنَا.

قَالَ صَالِحٌ: وَبَعَثَ المُتَوَكِّلُ إِلَى أَبِي بِأَلفِ دِيْنَارٍ لِيَقْسِمَهَا، فَجَاءهُ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ يُهَيِّئُ لَهُ حَرَّاقَةً، ثُمَّ جَاءَ عُبَيْدُ اللهِ بِأَلفِ دِيْنَارٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ أَذِنَ لَكَ، وَأَمرَ لَكَ بِهَذَا.

فَقَالَ: قَدْ أَعفَانِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِمَّا أَكرَهُ.

فَرَدَّهَا، وَقَالَ: أَنَا رَقِيْقٌ عَلَى البَردِ، وَالظّهرُ أَرْفَقُ بِي.

فَكُتِبَ لَهُ جَوَازٌ، وَكُتِبَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ فِي بِرِّهِ وَتَعَاهُدِهِ.

فَقَدِمَ عَلَيْنَا، ثُمَّ قَالَ: يَا صَالِحُ.

قُلْتُ: لَبَّيكَ.

قَالَ: أُحِبُّ أَنْ تَدعَ هَذَا الرِّزْقَ، فَإِنَّمَا تَأْخذُونَه بِسَبَبِي.

فَسَكَتَ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟

قُلْتُ: أَكرَهُ أَنْ أُعطِيَكَ بِلِسَانِي، وَأُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي القَوْمِ أَكْثَرُ عِيَالاً مِنِّي، وَلاَ أُعذَرُ، وَقَدْ كُنْتُ أَشكُو إِلَيْكَ، وَتَقُوْلُ: أَمرُكَ مُنعقِدٌ بِأَمرِي، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَحُلَّ عَنِّي هَذِهِ العُقْدَةَ، وَقَدْ كُنْتَ تَدعُو لِي، فَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ اللهُ قَدِ اسْتَجَابَ لَكَ.

فَقَالَ: وَاللهِ لاَ تَفعَلُ.

فَقُلْتُ: لاَ.

فَقَالَ: لِمَ؟ فَعَلَ اللهُ بِكَ وَفَعَلَ!! (11/ 279)

وَذَكَرَ قِصَّةً فِي دُخُوْلِ عَبْدِ اللهِ أَخِيْهِ عَلَيْهِ، وَقَولِه وَجَوَابِه لَهُ، ثُمَّ دُخُوْلِ عَمِّه عَلَيْهِ، وَإِنْكَارِه لِلأَخذِ.

قَالَ: فَهَجَرَنَا أَبِي، وَسَدَّ الأَبْوَابَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَتَحَامَى مَنَازِلَنَا، ثُمَّ أُخْبِرَ بِأَخذِ عَمِّه، فَقَالَ: نَافَقْتَنِي وَكَذَبْتَنِي!!

ثُمَّ هَجَرَهُ، وَتَركَ الصَّلاَةَ فِي المَسْجَدِ، وَخَرَجَ إِلَى مَسْجِدٍ آخرَ يُصَلِّي فِيْهِ.

ثُمَّ ذَكرَ قِصَّةً فِي دُعَائِهِ صَالِحاً، وَمُعَاتَبَتِه لَهُ، ثُمَّ فِي كِتَابَتِهِ إِلَى يَحْيَى بنِ خَاقَانَ لِيترُكَ مَعُونَةَ أَوْلاَدِهِ، وَأَنَّ الخَبَرَ بَلَغَ المُتَوَكِّلَ، فَأَمرَ بِحَمْلِ مَا اجْتَمَعَ لَهُم مِنْ عَشْرَةِ أَشْهُرٍ إِلَيْهِم، فَكَانَ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.

وَأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَسَكَتَ قَلِيْلاً، وَأَطرقَ، ثُمَّ قَالَ: مَا حِيلتِي إِنْ أَرَدْتُ أَمراً، وَأَرَادَ اللهُ أَمراً؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير