وَبَكَى، فَبَكَى الوَاثِقُ وَبَكَيْنَا، ثُمَّ سَألَهُ الوَاثِقُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ، فَقَالَ: لَقَدْ جَعَلتُكَ فِي حِلٍّ وَسَعَةٍ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ إِكرَاماً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِكَونِكَ مِنْ أَهْلِهِ.
فَقَالَ لَهُ: أَقِمْ قِبَلَنَا فَنَنْتَفِعْ بِكَ، وَتَنْتَفِعْ بِنَا.
قَالَ: إِنَّ رَدَّكَ إِيَّايَ إِلَى مَوْضِعِي أَنفعُ لَكَ، أَصِيرُ إِلَى أَهْلِي وَوَلَدِي، فَأَكُفَّ دُعَاءَهُم عَلَيْكَ، فَقَدْ خَلَّفتُهُم عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ: فَتَقبلُ مِنَّا صِلَةً؟
قَالَ: لاَ تَحِلُّ لِي، أَنَا عَنْهَا غَنِيٌّ.
قَالَ المُهْتَدِي: فَرَجَعتُ عَنْ هَذِهِ المَقَالَةِ، وَأَظنُّ أَنَّ أَبِي رَجَعَ عَنْهَا مُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ. (11/ 316)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّيْرَازِيُّ الحَافِظُ: هَذَا الأَذَنِيُّ هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الأَذْرَمِيُّ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ نِفْطَوَيْه: حَدَّثَنِي حَامِدُ بنُ العَبَّاسِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ المُهْتَدِي:
أَنَّ الوَاثِقَ مَاتَ وَقَدْ تَابَ عَنِ القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ.
فَصْلٌ
عَنِ الحُسَيْنِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ يَجتَمِعُ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ زُهَاءُ خَمْسَةِ آلاَفٍ - أَوْ يَزِيدُوْنَ نَحْوَ خَمْسِ مائَةٍ - يَكْتُبُوْنَ، وَالبَاقُوْنَ يَتَعلَّمُوْنَ مِنْهُ حُسْنَ الأَدَبِ وَالسَّمْتِ.
ابْنُ بَطَّةَ: سَمِعَ النَّجَّادَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ المُطَّوِّعِيِّ يَقُوْلُ:
اخْتَلَفتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ ثِنْتَي عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ يَقْرَأُ (المُسْنَدَ) عَلَى أَوْلاَدِهِ، فَمَا كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً وَاحِداً، إِنَّمَا كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى هَدْيِهِ وَأَخلاَقِهِ.
قَالَ حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ: يُقَالُ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَشبَهَ هَدْياً وَسَمتاً وَدَلاًّ مِنْ ابْنِ مَسْعُوْدٍ بِالنَّبِيِّ - صلَّى اللهُ عليَهِ وَسلَّمَ - وَكَانَ أَشبَهَ النَّاسِ بِهِ عَلْقَمَةُ، وَكَانَ أَشبَهَ النَّاسِ بِعَلْقَمَةَ إِبْرَاهِيْمُ، وَكَانَ أَشبَهَهُم بَإِبْرَاهِيْمَ مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَأَشبَهَ النَّاسِ بِهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَشبَهَ النَّاسِ بِهِ وَكِيْعٌ، وَأَشبَهَ النَّاسِ بوَكِيْعٍ - فِيْمَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الجَمَّالُ - أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. (11/ 317)
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقبَلتُم؟
قُلْنَا: مِنْ مَجْلِسِ أَبِي كُرَيْبٍ.
فَقَالَ: اكتُبُوا عَنْهُ، فَإِنَّه شَيْخٌ صَالِحٌ.
فَقُلْنَا: إِنَّه يَطْعُنُ عَلَيْكَ.
فَقَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ حِيلَتِي، شَيْخٌ صَالِحٌ قَدْ بُلِيَ بِي.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي سُئِلَ: لِمَ لَمْ تَسْمَعْ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ كَثِيْراً، وَقَدْ نَزَلَ فِي جِوَارِكَ بِدَارِ عُمَارَةَ؟
فَقَالَ: حَضَرْنَا مَجْلِسَهُ مَرَّةً فَحَدَّثَنَا، فَلَمَّا كَانَ المَجْلِسُ الثَّانِي، رَأَى شَبَاباً تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الشُّيُوْخِ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: وَاللهِ لاَ حَدَّثْتُ سَنَةً.
فَمَاتَ وَلَمْ يُحَدِّثْ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ:
قَالَ جَارُنَا فُلاَنٌ: دَخَلْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأَمِيْرِ، وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ - ذَكَرَ سَلاَطِينَ - مَا رَأَيْتُ أَهيَبَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، صِرتُ إِلَيْهِ أُكلِّمُهُ فِي شَيْءٍ، فَوَقَعَتْ عَلَيَّ الرِّعْدَةُ مِنْ هَيبَتِهِ.
ثُمَّ قَالَ المَرُّوْذِيُّ: وَلَقَدْ طَرقَهُ الكَلْبِيُّ - صَاحِبُ خَبَرِ السِّرِّ - لَيلاً، فَمِنْ هَيبَتِهِ لَمْ يَقْرَعُوا، وَدَقُّوا بَابَ عَمِّهِ.
وَعَنِ المَيْمُوْنِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَنْقَى ثَوباً، وَلاَ أَشَدَّ بَيَاضاً مِنْ أَحْمَدَ. (11/ 318)
ابْنُ المُنَادِي: عَنْ جَدِّهِ؛ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ:
¥