وَبَسَطتُ فِي الدِّهْلِيْزِ، فَخَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَمَعَهُ الكُتُبُ وَالمِحْبرَةُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
فَقُلْتُ: لِنَجْلِسَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ: ارفَعْهُ، الزُّهْدُ لاَ يَحْسُنُ إِلاَّ بِالزُّهْدِ.
فَرَفَعْتُه، وَجَلَسَ عَلَى التُّرَابِ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يُوْسُفُ بنُ الضَّحَّاكِ، حَدَّثَنِي ابْنُ جَبَلَةَ، قَالَ:
كُنْتُ عَلَى بَابِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَالبَابُ مُجَافٌ، وَأُمُّ وَلَدِه تُكَلِّمُه، وَتَقُوْلُ: أَنَا مَعَكَ فِي ضِيقٍ، وَأَهْلُ صَالِحٍ يَأْكُلُوْنَ وَيَفْعَلُوْنَ، وَهُوَ يَقُوْلُ: قُوْلِي خَيْراً.
وَخَرَجَ الصَّبِيُّ مَعَهُ، فَبَكَى، فَقَالَ: مَا تُرِيْدُ؟
قَالَ: زَبِيْبٌ.
قَالَ: اذْهَبْ، خُذْ مِنَ البَقَّالِ بِحَبَّةٍ.
وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: كَانَ مَنْزِلُ أَبِي عَبْدِ اللهِ ضَيِّقاً صَغِيْراً، وَينَامُ فِي الحَرِّ فِي أَسْفَلِهِ.
وَقَالَ لِي عَمُّهُ: رُبَّمَا قُلْتُ لَهُ فَلاَ يَفْعَلُ، يَنَامُ فَوْقُ.
وَقَدْ رَأَيْتُ مَوْضِعَ مَضْجَعِهِ، وَفِيْهِ شَاذَكُوْنَةٌ وَبَرْذَعَةٌ، قَدْ غَلَبَ عَلَيْهَا الوَسَخُ. (11/ 326)
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي حَامِدُ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ يَقُوْلُ:
دَخَلْتُ دَارَ أَحْمَدَ، فَرَأَيْتُ فِي بَهْوِهِ حَصِيْراً خَلَقاً وَمِخَدَّةً - وَكُتُبُه مَطْرُوْحَةٌ حَوَالَيْهِ - وَحُبَّ خَزَفٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ عَلَى بَابِهِ مِسْحٌ مِنْ شَعْرٍ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُوْرِيِّ، قَالَ لِي الأَمِيْرُ: إِذَا حَلَّ إِفطَارُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَأَرِنِيهِ.
قَالَ: فَجَاؤُوا بِرَغِيْفَيْنِ: خُبْزٍ وَخُبَّازَةٍ، فَأَريتُهُ الأَمِيْرَ، فَقَالَ: هَذَا لاَ يُجِيْبُنَا إِذَا كَانَ هَذَا يُعِفُّهُ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي أَيَّامِ عِيدٍ: اشتَرَوْا لَنَا أَمْسِ بَاقِلَّى، فَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ بِهِ مِنَ الجَوْدَةِ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وَجَدتُ البَرْدَ فِي أَطرَافِي، مَا أُرَاهُ إلاَّ مِنْ إِدَامِي المِلْحِ وَالخَلِّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَسْرُوْقٍ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ:
دَخَلَ عَلَيَّ أَبِي يَعُوْدُنِي فِي مَرَضِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَةِ، عِنْدَنَا شَيْءٌ مِمَّا كَانَ يَبُرُّنَا بِهِ المُتَوَكِّلُ، أَفَأَحُجُّ مِنْهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإذَا كَانَ هَذَا عِنْدَكَ هَكَذَا، فَلِمَ لاَ تَأْخُذُ مِنْهُ؟
قَالَ: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي حَرَامٌ، وَلَكِنْ تَنَزَّهْتُ عَنْهُ.
رَوَاهُ: الخُلْدِيُّ، عَنْهُ.
أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا الضَّبِّيُّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ إِسْحَاقَ الضُّبَعِيَّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ إِسْحَاقَ السَّرَّاجَ يَقُوْلُ:
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَوْماً: يَبلُغُنِي أَنَّ الحَارِثَ هَذَا -يَعْنِي: المُحَاسِبِيَّ- يُكْثِرُ الكَونَ عِنْدَكَ، فَلَو أَحضَرْتَهُ، وَأَجْلَسَتْنِي مِنْ حَيْثُ لاَ يَرَانِي، فَأَسْمَعُ كَلاَمَهُ.
قُلْتُ: السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ. (11/ 327)
وَسَرَّنِي هَذَا الابْتِدَاءُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَصَدتُ الحَارِثَ، وَسَأَلْتُه أَنْ يَحضُرَ، وَقُلْتُ: تَسأَلُ أَصْحَابَكَ أَنْ يَحضُرُوا.
فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيْلُ، فِيْهِم كَثْرَةٌ فَلاَ تَزِدْهُم عَلَى الكُسْبِ وَالتَّمْرِ، وَأَكْثِرْ مِنْهُمَا مَا اسْتَطَعْتَ.
¥