وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/ 10 ـ 11): " اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ المبتدعة، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلا نفيسا في ذلك. فقال: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم، فمن ذلك قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وقوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) وقوله: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم) وقوله: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) وقوله: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) وقوله: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) إلى قوله: (إنك رؤوف رحيم) في آيات كثيرة يطول ذكرها، وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق، على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة، والجهاد ونصرة الإسلام، وبذل المهج، والأموال، وقتل الآباء والأبناء، والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على تعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم، والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم، هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله.
ثم روى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة. انتهى
والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة.
ثالثا:أ قوال أهل العلم في عدالة أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ
قال علي بن محمد الجزري في كتابه أسد الغابة (4/ 391):
كان أبو بكرة من فضلاء أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصالحيهم، كثير العبادة حتى مات.
وقال الحسن البصري: لم ينزل البصرة من الصحابة ممن سكنها أفضل من عمران بن حصين وأبي بكرة (المصدر السابق)
وقال الحافظ ابن حجر في كتاب الإصابة (10/ 183) عن أبي بكرة ـ رضي الله عنه مشهور بكنيته، وكان من فضلاء الصحابة.
ونقل الحافظ ابن حجر قول العجلي في أبي بكرة أنه كان من خيار الصحابة.
(تهذيب التهذيب ج 10/ 469)
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (3/ 5): (كان من فقهاء الصحابة).
أما رأي الشيخين ـ البخاري ومسلم ـ فمعروف في تعديل أبي بكرة، فقد رويا له في صحيحيهما.
قال العيني في عمدة القاري (7/ 208): (روى له ـ يعني أبا بكرة ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنان وثلاثون حديثا اتفقا على ثمانية وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بحديث.
وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: كان رجلا صالحا ورعا، آخى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي برزة. (تهذيب الكمال 18/ 420)
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (8/ 57): أبو بكرة صحابي جليل كبير القدر.
وقد أجمعت الأمة على قبول رواية الصحابي الجليل أبي بكرة ونقل الإجماع ابن قدامة وقال: " ولا نعلم خلافا في قبول رواية أبي بكرة مع رد شهادته " (المغني 12/ 87)
وقال ابن القيم: " وقد أجمع المسلمون على قبول رواية أبي بكرة رضي الله عنه "
(إعلام الموقعين 1/ 127)
هذه أقوال جهابذة أهل العلم في أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ وهم أهل الاختصاص بهذا الفن، وبهذا يتضح خطأ د. محمد في حق هذا الصحابي الجليل ـ رضي الله عنه ـ.
رابعا: مراد المحدثين في العدالة الثابتة لجميع الصحابة
قال الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر و محقق كتاب تدريب الراوي (2/ 215) تطلق العدالة بإطلاقات منها:
بمعنى التجنب عن تعمد الكذب في الرواية والانحراف فيها بارتكاب ما يوجب عدم قبولها، فلا يقع من الصحابة ذنب، أو يقع ولا يؤثر في قبول مروياتهم.
¥