الشرعيّة، سمحوا لأنفسهم أو لغيرهم، ممن لم يتخصّص في دراستها على يدي أهلها، بأن يتكلَّم ويخوض فيها، ونحن نطالب هؤلاء أن يُنصفوا علوم الشريعة، فإن لم يعترفوا لها بأنها أعمق العلوم، مع أن هذا هو الواجب عليهم لو أنصفوا، فلا أقلّ من أن يضعوها في مصافّ التخصُّصات الأخرى، التي يُعترف لها بأنها علومٌ عميقةٌ، لا يُحسنها إلا من أفنى عمره واجتهد في تحصيلها.
ثالثاً: تعمُّد بعض أعداء الإسلام من الكفرة والمنافقين تشويه صورة علماء الشريعة بكل الوسائل المتاحة لهم، في وسائل الإعلام المختلفة، وفي القرارات ذات التأثير. وذلك من خلال سَعْيٍ حثيث منظَّمٍ مدروس من زمن طويل، يتناول سَعْيُهم هذا جوانب مختلفة، من تجفيف منابع العلم الشرعي، وصدِّ الناس عن تعلُّمه، وإضعاف صلة الناس بعلمائه، وانتقاص أقدار حملته بكل مكر ودهاء، فعلى المسلمين أن يعرفوا أعداءهم الحقيقيّين من الكفرة والخونةِ المنافقين، فلا يُمكنّونهم من وسائل إعلامهم، أولا يجعلون وسائلَ إعلامهم وسائلَ مأمونةً للتلقّي والتأثّر، كما أنه لا ينبغي عليهم الرضوخ للقرارات التي يتّخذها أعداؤهم وسيلةً لتحقيق أهدافهم فيهم، بل عليهم فَضْحُ خفايا تلك القرارات لعامّة المسلمين، لكي يقف الجميعُ ضدّها، ولكي لا تطويهم بخُبْثها ومكرها.
رابعاً: قلّةُ عدد علماء الشريعة حقًّا، ممّا تحقّق في المسلمين ما أخبر به النبيُّ – صلى الله عليه وسلم- من أنهم اتخذوا رؤوسًا جُهالًا، فضلّوا وأضلّوا، ولا شك أن هؤلاء الرؤوس الجُهّال الذين يلبسون لباسَ أهل العلم قد أعانوا على أن لا يعرف الناسُ أهلَ العلم حقًّا، وصَدُّوا الناسَ عن علمائهم، ثم هم لجهلهم لا يجد الناسُ لهم مزيّةً يستحقّون بها الإقرار لهم بالعلم والتقدُّمِ فيه، حتى إذا رأى الناسُ عالمًا حقًّا قاسوه على الجاهل، فاختلط الحابل بالنابل، وهذا يُبيِّن عظيمَ حاجةِ الأُمّة إلى أن تعتني بالعلم الشرعي، وبالبقيّة الباقية من علمائه: لكي يكون الرؤوسُ رؤوسًا حقًّا: علماءَ ربّانين. فنحن في هذه الظروف أولى ما نكون إلى نشر العلم الشرعي، وإلى حثّ الناس على تعلّمه، وتهيئ كل السُّبُلِ الميسرة على الناس تحصيله، كما أنه يبيّن أيضًا وجوبَ تصديرهم أهل العلم وإبرازهم للناس، فإن لم يٌصدَّروا فعلى أهل العلم أن يتصدّروا، وأن يدلّوا الناس إلى الهدى والعلم الذي وهبهم الله –تعالى- إيّاه.
إن هذه الأسباب في ظنّي هي أهمّ أسباب ظاهرة عدم أو ضعف اعتراف عامّة المسلمين لعلماء الشريعة بالتقدُّم والتميّز في علم الشريعة، وهي أسبابٌ يُمكن مقاومتها، وقد ذكرت بعضَ وسائل مقاومتها آنفًا في سياق سردها السابق.
فإذا ما أقرَّ الناس للعالم بالتقدّم والتميّز، فلا يحتاج غالبهم حينها إلى تذكيرهم بواجب العالم عليهم، ولن تكون أخطاء آحادهم في التقصير في حق العالم إلا فلتةً غير مقصودة، سُرعان ما يحرص الواحد منهم على استدراكها إذا ما أدرك أنه حاد عن أداء واجبه، حيث إن الإقرار بالتقدّم والتميّز يقتضي الاحترامَ والإجلال، والتأدُّبَ في المقال والفعال، وإحسانَ الظنّ بالعالم، وتَرْكَ جداله ومُمَاراته بغير علم، وكما قال القائل:
وأكثر بَخسًا للفضيلة موقعٌ ... يُجادلُ أهلَ العلم فيه جَهُولُ
هذا حقّ أهل العلم عامّةً، فكيف إذا كانوا علماءَ بالله تعالى وبأمره؟! فهؤلاء هُم أولياء الله الذين من عاداهم فقد آذنَ الله –تعالى- وبارزه بالعداوة والحرب، والذين هم ورثة الأنبياء، وسادة الأُمّة، وأدِلَّاءُ العالمين إلى سعادة الدنيا والآخرة.
هُمُ أنُجُمُ الله في الدنيا إذا طلعوا ... وحُجّةُ الله في الأُخرى إذا نُشِروا
هُمُ زينةُ الناس هُمْ نورُ الوجود هُمُ ... روحُ الحياة هُمُ ريحانُها العَطِرُ
هُمُ أولياءُ النُّهى تحيا العقولُ بهمْ ... كالغيث يَخْضَلُّ من وَسْمِيِّهِ الشجرُ
وإنما هذه الأيامُ مزرعةٌ ... الناسُ غرسٌ لها والعالِمُ الثمرُ
حقوق أهل العلم على الأمة ( http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=4042)