تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1 - وُلد مالك بن نبي في عصر سمع فيه من جدته لأمه قصص الاحتلال

الفرنسي للجزائر، وعاش مأساة بلد يخطط الاستعمار لشل فاعليته، ومن ثم

لتحويله إلى فريسة سهلة الالتهام، عاشها مالك يوماً بيوم في المدرسة الفرنسية حيث

لا يسمح (لابن البلد) إكمال الدراسة الثانوية التي تؤهله للدراسات الجامعية،

وعاشها في تحول المجتمع عن فطرته وكيف ساد الصعاليك بمعونة الإدارة الفرنسية،

وكيف أصبحت العائلات العريقة فقيرة، ذليلة بسبب الاستيلاء على أراضيها،

وكان اليهود هم الواسطة لانتقال الملكية من أبناء البلاد إلى أبناء المستعمر؛

فاليهودي دائماً كان يقرض بفائدة 60%، وعندما درس في فرنسا وعاش مع الجالية

الجزائرية رأى الاستعمار من زواياه المختلفة، وشعر بخبث الأساليب التي يقوم بها

لتمزيق العالم الإسلامي.

2 - القراءات الغزيرة المتنوعة، فقد بدأ بالقراءة منذ أن كان صغيراً في

الابتدائية، وقرأ كتب علم النفس والاجتماع وهو لا يزال في المرحلة الثانوية،

وكان يقرأ كل الصحف التي تصل إلى قسنطينة أو تبسة، ولا شك أن هذا الاطلاع

الواسع على الثقافة الغربية هو في جانب منه على حساب الثقافة الإسلامية وكان له

أثر عليه أيضاً، فكثرة قراءاته لأعمال الفلاسفة جعلته يعتبر عصر الفارابي عند

المسلمين هو عصر خلق الأفكار مع أن الفارابى وأمثاله لم يقدموا شيئاً يذكر

للحضارة الإسلامية، وكانت نغمة (الإنسانية) و (العالمية) سائدة عند الفلاسفة

الغربيين، ونجد مالك يكررها فيتكلم عن حضارة اليوم التي تسير نحو الشمول

والعالمية [17] ويستعمل أحياناً عباراتهم التي هي نتيجة انفصام عندهم بين الدين

والعلم مثل قوله: (إن الطبيعة توجد النوع ... ) [18] أو وهبته الطبيعة.

3 - ثقافته الإسلامية: يعترف مالك بأن الذي كان يرده عن الغلو في هذا

الاتجاه (القراءات الكثيرة للفكر الغربي) هو ما كان يتلقاه من دروس في التوحيد

والفقه، وقراءاته للكتب التي تأتي من المشرق العربي مثل: (الإفلاس المعنوي

للسياسة الغربية في الشرق) لأحمد رضا، و (رسالة التوحيد) للشيخ محمد عبده،

و (طبائع الاستبداد) للكواكبي، والمجلات الإسلامية الجزائرية مثل (الشهاب) التي

يصدرها الشيخ ابن باديس، ولا شك أن ثقافته الشرعية ضعيفة ولكن عنده اطلاع

على التاريخ الإسلامي وقدرة على فهم الآيات والأحاديث التي تتعلق بسنة التغيير

الاجتماعى وبسبب عمق تفكيره وتحرُّقه على العالم الإسلامي كان يرى أن بذرة

عودة الوعي للأمة الإسلامية هي في حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي

يعتبرها امتداداً لما قام به ابن تيمية في التجديد، ولنفس السبب أيد جمعية العلماء

في الجزائر وكان يعقد الأمل عليهم في الاصلاح وإن اختلف معهم بعدئذ، ولبُعده

عن المشرق ولضعف ثقافته الشرعية كان يمجّد جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد

عبده ويرى أن الأول هو مصلح الشرق؛ فثقافته الإسلامية خليط من آراء مدرسة

الأفغاني ومحمد عبده ومن فهمه لآيات القرآن وسنن التغيير، وأنه لابد من الرجوع

إلى طريقة القرآن والسنة في رفع الناس إلى مستوى الروح كما يعبر هو، والحقيقة

أنه يجمع أشياء متناقضة وإن بدت منسجمة بالنسبة له.

4 - ومن المؤثرات الواضحة في شخصيته ما عاناه من الفقر الشديد في

طفولته، وحياة النَّصَب والتعب التي عاشها في شبابه بحثاً عن العمل، سواء في

الجزائر أو فرنسا، فقد عمل بعد تخرجه من الثانوية في مصنع للأسمنت في مدينة

(ليون) بفرنسا، فكان يحمل الأكياس على ظهره، ومرة باع بعض ملابسه حتى

يوفر وجبة غداء، وبعد تخرجه من الهندسة طرق أبواب العمل في الدول العربية

والإسلامية ولكن دون جدوى.

هذه الأوضاع النفسية جعلته يكره - وهو صغير - الدور المترفة التي كانت

تفضح أمام ناظريه بؤس أقاربه، وأحكامه المسبقة كانت بسبب العيش في عائلة

فقيرة زرعت لاشعورياً في نفسه من الغيرة والحسد حيال العائلات الكبيرة [19]،

وكان يعجبه مطالعة صحيفة (الإقدام) التي يصدرها الأمير خالد الجزائري والتي

كانت تركز على موضوع الفلاح الجزائري وبؤسه.

هذا ما يفسر لنا ميله للدول التي بدأت بتطبيق الاشتراكية كالجمهورية

العربية المتحدة [20] والجزائر بعد استقلالها [21]، وبتأثير من هذه الدول كان يظن

أن الاتحاد السوفييتي ليس عنده مُناخ استعماري وهو صديق للشعوب!

-يتبع-


(1) مالك بن نبي: في مهب المعركة، تقديم محمود محمد شاكر، 3.
(2) سيد قطب: معالم في الطريق، 117.
(3) مالك بن نبي: مذكرات شاهد للقرن، 15.
(4) مالك بن نبي: مذكرات شاهد للقرن، 131.
(5) المصدر السابق، 131.
(6) المصدر السابق، 132.
(7) المصدر السابق، 174.
(8) مالك بن نبي: مذكرات شاهد للقرن، 219.
(9) مذكرات شاهد للقرن، 137.
(10) المصدر السابق، صدق مالك في تحليله هذا؛ فقد سمعت من أحد الإخوة العاملين في حقل
الدعوة الإسلامية أنه بكى عندما سمع بنبأ هلاك عبد الناصر مع أنه يكرهه كرهاً شديداً!.
(11) المصدر السابق، 291.
(12) مذكرات شاهد للقرن، 176.
(13) المصدر السابق، 235.
(14) في مهب المعركة، 87.
(15) وجهة العالم الإسلامي، 55.
(16) شروط النهضة، 34.
(17) في مهب المعركة، 33.
(18) ميلاد مجتمع، 16.
(19) مذكرات شاهد للقرن، 131.
(20) ميلاد مجتمع، 48.
(21) بين الرشاد والتيه، 24.

((مجلة البيان ـ العدد [14] صـ 21 صفر 1409 ـ أكتوبر 1988))
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير