ومن هؤلاء الفرسان الشيخ العلامة النحرير والجهبِذ الخطير خليل الخالدي (ت1360هـ-1941م) [9] رحمه الله تعالى صاحب الخِزانة والمكتبة الشهيرة بنوادرها ونفائسها والتي قال عنها أسعد طلس:
" إن الكتب التي جمعها هي من أنفس المخطوطات العربية " [10]
وقال عنه وعن خزانته طرّازي:
" لهذا الشيخ معرفة واسعة بالكتب ومؤلفيها ومواضيعها وأثمانها ومزاياها وكل ما يتعلق بها وقد تفوق بعلم المخطوطات فأحكمه ونبغ فيه حتى اصبح علماً من أعلامه وتعهد مكتبات الأستانة واستنسخ كثيراً من نوادر مخطوطاتها وجمع في خزانته الخاصة زهاء خمسة آلاف مجلد عربي بينها ألف مخطوطة" [11]
وقال عنه أديب فلسطين الكبير عجاج نويهض [12]
" اعتُبر فهرست المخطوطات الحي والماشي في أهم مكتبات الشرق والغرب "
وقال الشيخ محمد منير الدمشقي رحمه الله:
" له اطلاع واسع على الكتب الخطية النفيسة ومؤلفيها، يحفظ كثيراً من اسماء الكتب الفذة الأثرية في كثير من البلدان ويصفها وصف معايرٍ خبير ومشاهد عليم .. وله رحلات كثيرة للاطلاع على خزائن كتب الملوك والسلاطين والعلماء المتقدمين منها رحلته إلى الأستانة زمن سلطان عبد الحميد سنة 1303هـ وأقام فيها عشرين عاماً تقلّد فيها وظائف في الحكومة التركية وهو يتردد بين خزائن كتبها ويبلغ عددها تقريباً خمسين مكتبة وغالبها مشهور ومعروف
وذهب إلى فاس وأقام فيها نحو أربعة أشهر يتردد إلى خزانة كتب القرويين متصفحاً تلك الآثار والنفائس القيمة ورحل إلى بلاد الأندلس كقرطبة وغرناطة لهذا الغرض أيضاً
وذهب إلى تونس وتصفح خزانة كتب جامع الزيتونة ومكث فيها نحو أربعة اشهر وجال جولة عظيمة في بلاد الروم متصفحاً خزائن الكتب فيها كأدرنة وسيروز وسلانيك ومناستر وأسكوب
وكذلك جاب بلاد الأناضول كقونية وبورصة وديار بكر وطاف أغلب بلاد الشام فلذلك اكتسب معلومات كثيرة ومحفوظات عالية لا توجد عند غيره [13]
وقد وُفّق لوضع هذه المعلومات في كتاب أسماه" فهرست في بيان أصول الكتب الإسلامية الصحيحة التي أعظمها بخطوط المؤلفين أو غالبها عليه خطوط المؤلفين" [14]
يقول الزركلي:
" وقال الهواري: له مذكرة في نحو خمسين جزء في ذكر ما وقف عليه من الكتب والمكتبات التي زارها " [15]
وقال عنها الأستاذ محمد خير رمضان يوسف:
" ولو وجد هذا الكتاب لكان منافساً لكتابي بروكلمان وسزكين " [16]
وكذلك رصيفه وقرينه العلامة المؤرخ صاحب التحريرات التاريخية و التراثية والمقالات الأثرية على صفحات مجلات المجامع العلمية والدوريات الأدبية والتراثية الأستاذ عبدالله مخلص (1947م-1367هـ) رحمه الله
يقول عنه أديب فلسطين وعالمها الكبير النشاشيبي:
(الجاحظ أعجوبة البيان ومخلص أعجوبة الزمان) يعني بالزمان والتاريخ [17]
وكان يملك خزانة كتب شهيرة كان يطلق عليها بنفسه " الخزانة المخلصية" وكانت زاخرة بنفائس الكتب والنوادر ومحلاّةً بأعلاقٍ نفيسةٍ من المخطوطات والكتب والمجلات والتي كانت أصدق شاهد وأمثل دليل على الهمة العالية التي تحلى بها رجالات هذا العصر من تضحية وبذل للجهود من أجل خدمة تراث فلسطين ولو على حساب أرواحهم وبذل كل نفيسٍ وغالٍ من أجل الحفاظ على هذا التراث الذي حوته فلسطين على رفوف خزائنها ومخادع مكتباتها.
ويعتبر الخالدي ومخلص رحمهما الله فارسا علم المخطوطات في فلسطين لا يُشق لهما غبار ولا يُرجى لهما عثار ومن العلماء الذين حملوا راية التحقيق والتدقيق بكلتي يديهم ومضوا به أشواطا وأشواطاً لم ترتعش لهم يد ولم يلتو بهم الطريق ولم تزلّ لهم قدمٌ ولم يزغ منهم بصر حتى قضوا نحبهم.
وما عُدمت فلسطين والحمد لله – ولن تُعدم – إلى يومنا هذا من فرسان ساروا على نهجهم ونسجوا على نَوْلِهم من لِداتهم ورصفائهم وأقرانهم وتلاميذهم أمثال العلامة الأديب سعيد الكرمي والفاضل النحرير أحمد سامح الخالدي والأديب الأريب يوسف ضياء الدين الخالدي وقريبه روحي الخالدي والعلامة الأديب إسعاف النشاشيبي و تلميذه النجيب إسحاق موسى الحسيني ومن تلاميذهم الذين وإن لم يبلغوا درجتهم ولكن ليسوا بمنئىً عنهم بل ينادونهم من مكان قريب مما لا يسمح المجال بتسطير أسمائهم في هذا المقال.
¥