تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأرض أن تخفض إصبعه وهو يقول: (أحد، أحد) [22].

هذا الإيمان يصنع المعجزات، عندما تختفي الأنانيات ويشترك الجميع عن

طواعية في بناء حضارة، وفي المجتمع الإسلامي الأول كان المنافقون وحدهم

يتخلفون عن أي عمل فيه تعب أو نصب، وكل الكتب والمحاضرات والخطب لا

تكفي لإنشاء أمة لا ترتفع إيمانياً وأخلاقياً إلى درجة عالية، كما جاء في الحديث

عن جندب بن عبد الله قال:» تعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن

فازددنا به إيماناً «[23].

والقرآن الكريم وضع ضمير المسلم بين حدين هما: الوعد والوعيد، ومعنى

ذلك أنه قد وضعه في أنسب الظروف وهذان الحدان ينطبقان على مفهوم الآيتين

الكريمتين:

أ-] فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلاَّ القَوْمُ الخَاسِرُونَ [.

ب-] إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ [.

وبين هذين الحدين تقف القوة الروحية متناسبة مع الجهد الفعال الذي يبذله

مجتمع طبقاً لأوامر رسالة [24].

يقول الدكتور (الكسس كاريل) معبراً عن هذه الحقيقة: (فالأمل والإيمان

والحمية تؤثر في الجسم تأثير البخار في العجلة المحركة) [25] (وإذا نجحت

إحدى الأفكار في تغيير سلوك البشر فذلك لأنها تنطوي على عناصر عاطفية إلى

جانب العناصر المنطقية، إن الإيمان هو الذي يدفع الإنسان إلى العمل وليس العقل،

والذكاء يكتفي بإنارة الطريق ولكنه لا يدفعنا إلى الأمام) [26].

هذه الطاقة الإيمانية جعلت الفرد المسلم في عصر النبوة يقسم ثروته مع أخيه

الذي هاجر إليه، فالمؤاخاة التي تمت بين المهاجرين والأنصار هي أول عمل

تاريخي يقوم به المجتمع ساعة ميلاده، ولولا قوة شبكة العلاقات الاجتماعية لما

استطاع المجتمع الإسلامي الإقلاع باتجاه حضارة، وفي حالة تمزق هذه العلاقات قد

توجد العوالم الثلاثة (الأفكار، والأشخاص، والأشياء) ولكنها لا تغني شيئاً، وقد

يكون هناك مسلمون متحمسون وهناك أفكار ولكن الشبكة ليست قوية.

إن قصة المؤاخاة ليست خيالية، ولا هي أقرب للخيال، فالإسلام دين واقعي،

وليس صعباً أن يحقق المسلمون شيئاً من هذه (المؤاخاة)، والآن توجد (إخوة

إسلامية) خطابية وعظية ولكن لا يوجد (مؤاخاة) عملية فعلية، من هنا المنطلق،

ومن هنا البداية.

(يتبع)


(1) لاشك أن هذه نهضة صناعية، وليست نهضة حضارية بالمعنى الشامل، ولكن لو أن اليابانيين
طالبوا بنقل مفاسد حضارة الغرب وسلبياتهم كما يطالب المستغربون عندنا لما نجحوا في بناء هذا
المجد الاقتصادي، لقد حافظوا على نوع من التقاليد وأخلاق صارمة في التعامل حتى استطاعوا
إقامة هذه النهضة.
(2) الأفرو آسيوية / 78.
(3) شروط النهضة /59.
(4) وجهة العالم الإسلامي /75.
(5) آفاق حد الرية / 46.
(6) إنتاج المستشرقين / 28.
(7) إنتاج المستشرقين / 33.
(8) وجهة العالم الإسلامي /86.
(9) وجهة العالم الإسلامي /85.
(10) في مهب المعركة / 16.
(11) في مهب المعركة / 28.
(12) الصراع الفكري في البلاد المستعمرة / 9.
(13) مشكلة الأفكار / 140.
(14) إنتاج المستشرقين / 16.
(15) الصراع الفكري / 6768.
(16) إنتاج المستشرقين / 25.
(17) إنتاج المستشرقين / 25.
(18) وجهة العالم الإسلامي / 113.
(19) وجهة العالم الإسلامي / 113.
(20) المصدر نفسه / 26.
(21) المصدر السابق/27، وقد يستغرب القارئ ويقول: كيف نجمع بين كلامك في نهاية المقال
السابق عن أن توحيد الإلهية لم يكن واضحاً تماماً عند مالك وبين كلامه عن الإيمان وأثره ومهاجمته
لعلم الكلام، وقد نبهني أحد الأصدقاء إلى أن ظاهر كلامه لا يدل على هذا، مع قناعته بوجهة نظري
، فذكرت له أنني استنتجت هذا الكلام من مجموع قراءاتي لكتبه، كما أنه في النية كتابة مقال مستقل
عن بعض أخطائه ومنها هذا الموضوع، وسأوضح الدليل على ذلك إن شاء الله، وقد يزول الإشكال
إذا عرفنا أنه يتكلم هنا عن بناء الحضارات بشكل عام، فالمسلم عنده طاقة روحية وغير المسلم عنده
هذه الطاقة في بدء دورة الحضارة كما يذكر في أكثر كتبه.
(22) ميلاد مجتمع / 21.
(23) صحيح سنن ابن ماجه، بتحقيق الألباني 1/ 16.
(24) ميلاد مجتمع / 21.
(25) تأملات في سلوك الإنسان / 84.
(26) المصدر نفسه / 139.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير