تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عندما تكون الفتوى سلاحاً

ـ[الظافر]ــــــــ[16 - 11 - 04, 01:59 ص]ـ

عندما تكون الفتوى سلاحاً

الشيخ الدكتور/ عبد العزيز آل عبد اللطيف

قام ليون روش الفرنسي برحلة إلى مصر والحجاز سنة 1842م متنكراً في زي حاج مسلم، من أجل الحصول على موافقة من العلماء على نص فتوى جاء بها من الجزائر تجعل الجهاد ضد الفرنسيين من باب إلقاء النفس إلى التهلكة، ومن ثم ضرورة الرضا بحكم الفرنسيين في الجزائر وعدم شرعية حركة المقاومة التي كان يقودها الأمير عبد القادر الجزائري (1)، وقد شارك روش في هذه الرحلة وصياغة الفتوى مجموعة من شيوخ الصوفية (1).

لكن علماء الأزهر لم يوافقوه على تلك الفتوى (2)، وقد أحسنوا في ذلك، ولو أنهم فعلوا كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية مع اليهود لكان أكمل وأجمل، فقد أظهر طائفة من اليهود كتاباً قد عتّقوه وزوّروه، وفيه: أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أسقط عن يهود خيبر الجزية، فراج ذلك عن من جهل سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وظنوا صحته حتى ألقي هذا الكتاب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية – قدّس الله روحه – وطُلب منه أن يعين على تنفيذه والعمل عليه، فبصق عليه، واستدل على كذبه بعشرة أوجه (3).

لقد أدرك الفرنسيون أن الفتوى سلاح نافذ وعظيم الأثر على أهل الإسلام، فكتبوا تلك الفتيا على الطريقة الفرنسية، وأرادوا تمريرها على علماء الأزهر والحجاز، لكنهم خابوا وخذلوا، أما في هذه الأيام فلا يحتاج إلى هذا العناء، فما هو إلا لقاء عابر ويحصل المقصود، كما في تأييد شيخ الأزهر نزع حجاب المسلمات في فرنسا.

إن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا، روى مسلم في صحيحه عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "من مات ولم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق".

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: "الجهاد فرض على الكفاية، ولا بد لكل مؤمن من أن يعتقد أنه مأمور به، وأن يعتقد وجوبه، وأن يعزم عليه إذا احتيج إليه، وهذا يتضمن تحديث نفسه بفعله فمن مات ولم يغز أو لم يحدث نفسه بالغزو نقص من إيمانه الواجب عليه بقدر ذلك، فمات على شعبة نفاق" (مسألة المرابطة بالثغور ص54).

ويقول في موضع آخر: "من ترك الجهاد عذّبه الله عذاباً أليماً بالذلّ وغيره، ونزع الأمر منه فأعطاه لغيره، فإن هذا الدين لمن ذبّ عنه".

وفي الحديث عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ "عليكم بالجهاد، فإنه باب من أبواب الجنة، يُذهِب الله به عن النفوس الهمّ والغمّ" (4).

ومتى جاهدت الأمة عدوّها ألّف الله بين قلوبها، وإن تركت الجهاد شَغَل بعضَها ببعض. (جامع المسائل 5/ 300).

لقد راع أعداء الإسلام شأن الجهاد وأوجعتهم معارك الجهاد، فسعوا إلى تعطيل هذه الشعيرة بكل ما أوتوا من مكر وحيلة، سواءً عن طريقهم أو طريق عملائهم من الزنادقة والمنافقين وأشباههم.

فالميرزا غلام القادياني (زعيم القاديانية، وأحد صنائع الإنجليز) يقول: "لقد قضيت معظم عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ومؤازرتها، وقد ألفت في منع الجهاد ووجوب طاعة أولي الأمر الإنجليز من الكتب والنشرات ما لو جمع بعضها إلى بعض لملأ خمسين خزانة" (5).

وشابه الرافضةُ القاديانية في تعطيل الجهاد، فقالوا: لا جهاد حتى يخرج الإمام، وقرروا أن القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير (6).

وقد قال بعض عوام أهل السنة لأحد شيوخ الرافضة: إذا جاء الكفار إلى بلادنا فقتلوا النفوس وأخذوا الأموال هل نقاتلهم؟ فقال الرافضي: لا. المذهب أنّا لا نغزو إلا مع المعصوم، فقال العامي: والله إن هذا لمذهب نجس (7).

ويبدو أن هذه اللوثة قد عرضت لبعض المتسننة كما هو مشاهد في أحداث العراق، فهناك من يطالب بالإذعان لعملاء أمريكا – في العراق – باعتبار أنهم ولاة أمور، وهناك من أفتى بمنع مقاومة العدو الصليبي المحتل محتجاً بعلل عليلة، فادعى بعضهم بأنه لا جهاد إلا مع إمام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير