تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تحقيق النصوص وتطهيرها من غزو اللصوص.]

ـ[أشرف بن صالح العشري]ــــــــ[16 - 08 - 08, 05:44 م]ـ

تَحْقِيْقُ النُّصُوْصْ، وَتَطْهِيْرُهَا مِنْ غَزْوِ اللُّصُوْصْ

بِسْمِ اللَّهِ، والصَّلاَةُ والسَّلامُ عَلَى رَسُوْلِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وبَعْدُ:

فَإِقَامَةُ النَّصِّ كَمَا هُوَ مُسلَّمٌ بِهِ عِنْدَ المُشْتَغلِيْنْ بِغَرَضِ الوُصَوْلِ إِلَى أَقْرَبِ نَصٍّ كَانَتْ عَلَيْهِ نُسْخَةُ المُصَنِّفِ النِّحْرِيرْ، أَوْ تِلْكَ الَّتِي قُرِأَتْ عَلَيْهِ فَأَقَرَّهَا، أَوْ تِلْكَ الَّتِي تَدَاوَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَقَرَّهَا أَصَحَابُهُ المُلاَزِمُونَ، المَأْمُوْنُونْ، أَوْ كَالَّتِي نُقِلَتْ عَنْ نُسْخَةِ عَالِمٍ عَارِفْ، لاَ وَرَّاقٍ تَالِفْ، وَالَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى المُثَابِرِ الجَلَدِ، هُوَ مِنْ جَلَلِ الأُمُوْرِ الَّتِي لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً بَعْضُ مَنْ يَشْتَغِلُ بِتَحْقِيْقِ المَخْطُوْطَاتِ؛ وَتَكُوْنُ النَّتِيْجَةُ أَنْ يَخْرُجَ النَّصُّ سَقِيْمًا، عَقِيْمًا، مُخَرَّقًا، مُحَرَّقًا، لا مُحَرَّرًا، مُحقَّقًا؛ ثُمَّ نَقُوْلُُ لَيْتَهُ مَا حَقَّقَهُ، وَتَخْرُجُ الأَقْلاَمُ فَتُكْثِرُ فِيْهِ الجِرَاحَاتِ والهَنَاتِ والغَمْزَاتِ.

فَلأَنَّ ذَلِكَ أَمَانَةٌ مَا أَثْقَلَ حِمْلِهَا، وَأَوْعَرَ أَمْرِهَا، وأَسْحَقَ غَوْرِهَا؛ فَإِنَّهُ تُرَاثُ أُمَّةٍ؛ وَالتُّرَاثُ هُوَ عِلْمُ عُلَمَائِهَا وَعُصَارَتُهُ، وَحُشَاشَتُهُ؛ صُنِّفَ مِنْ أَجْلِ بَيَانِ الدِّيْنِ وَتَوْضِيْحِهِ؛ فَالعَابِثُ فِي ذَلِكَ، عَابِثٌ بِالدِّيْنِ قَوْلاً وَاحِدًا.

فَهَذَا بِصَنِيْعِهِ لَمْ يُقَدِّمْ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ خَدَمَاتٍ جَلِيْلاَتْ، كَمَا يَظَنُّ هُوَ فِي قَرَارَةِ نَفْسِهِ أَوْ يَدَّعِي، وَإنَّمَا قَدَّمَ لَهُمْ نَكَبَاتٍ وَطَامَّاتْ، وَالْلَّهُ الوَاقِيُ وَالحَافِظُ لِدِيْنِهِ، وُهَو الهَادِي لِمَنْ يَشَاءُ إِلَى سَوَاءِ الصِرَاطْ.

تَالْلَّهِ لَلأَمْرُ جِدُّ خَطِيْرٍ؛فَلاَ يَسْتَهِيْنُ بِهِ إِلاَّ كُلّ غِرٍّ، جَمَّاعٍ، قَمَّاشٍ، مَا يَسْلُكُ طَرِيْقَ المُحْسِنِيْنْ، وَمَا عَرِفَ نَهْجَ العُدُولِ المَاضِيِّينْ؛ فَفِي زَمَانِنَا قَدِ اخْتَلَطَ الغَثُّ بِالسَّمِيْنْ، وَأَصْبَحَ لَهُ طَلَبٌ، وَدَوْلَةٌ، وَمُعِيْنْ، لَكِنِ الْلَّهُ يِتَوَلَّى السَّرَائِرْ، وَمَا تَرْمِي إِلَيْهِ الضَّمَائِرْ، فَكُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوْبِقُهَا، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةِ إِلاَّ بِالْلَّهِ العَلِيِّ العَظِيْمِ.

قَالَ أَبُو عَمْرِوٍ الجَاحِظُ فِي ‹‹ كِتَابِ الحَيَوَانِ ›› [1/ 79]ـ أعزَّكُمُ اللَّهُ، ورَفَعَ قَدْرَكُم ـ: ‹‹ لَرُبَّمَا أَرَادَ مُؤَلِفُ الكِتَابِ أَنْ يُصْلِحَ تَصْحِيْفًا أَوْ كَلِمَةً سَاقِطَةً؛ فَيَكُوْنُ إِنْشَاءُ عَشْرِ وَرَقَاتٍ مِنْ حُرِّ اللَّفْظِ وَشَرِيْفِ المَعَانِي أَيْسَرَ عَلَيْهِ مِنْ إِتْمَامِ ذَلِكَ النَّقْصِ حَتَّى يَرُدَّهُ إِلَى مَوْضِعِهِ مِنْ اتْصَالِ الكَلاَمِ ››.

إِلَى أَنْ قَالَ: ‹‹ وَلاَ يَزَالُ الكِتَابُ تَتَدَاوَلُهُ الأَيْدِي الجَانِيَةُ، وَالأَغْرَاضُ المُفْسِدَةُ، حَتَّى يَصِيْرَ غَلَطاً صِرْفاً، وَكَذِباً مُصَمَّتاً، فَمَا ظَنُّكُمْ بِكِتَابٍ تَتَعَاقَبُهُ المُتَرْجِمُونَ بِالإِفْسَادِ، وَتَتَعَاوَرُهُ الخُطَّاطُ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ بِمِثْلِهِ، كِتَابٍ مُتَقَادِمِ المِيْلاَدِ، دُهْرِيِّ الصَّنْعَةِ ››. انْتَهَى.

وَيَنْطَبِقُ كَلاَمُهُ الأَخِيْرُ عَلَى العَابِثِ بِالنُّصُوصِ المُتَهَاتِرِ بِهَا. الَّذِي إِذَا تَعَقَّبْتَهُ ـ حَفِظَكَ الْلَّهُ، وَأَيَّدَكَ ـ أَلْفَيْتَ مُؤَلَّفَهُ أَوْ مُحَقَّقَهُ مَا شَحَذَ فِيْهِ فِكْرًا، وَمَا أَعْمَلَ فِيْهِ عَقْلاً، مِثْلَمَا قَدْ يُعْمِلُهُ فِي التُرَّهَاتْ، مِنْ خَوْضٍ فِي العُلَمَاءِ بِالتُّهَمِ وَالافْتِرَاءَاتْ، وَلَمْ يَعْلَمِ المِسْكِيْنُ أَنَّ لُحُوَم العُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ تَفْتِكُ بِكُلَّ مَنْ أَرَادَ النَّيْلَ مِنْهَا فِي أَسْرَعِ اللَّحَظَاتْ.

ومِنِ تَعَقُّبَاتٍ وَتَعَرُّضَاتْ، وانْتِصَارَاتٍ لِلنُّفُوسِ، وَإِرْهَاصَاتْ عَلَى الحَطِّ عَلَى الآخَرِيْنَ (مِمَّنْ لَيْسُواْ فِي رُتْبَةِ العُلَمَاءْ، وَلاَ مُعِيْنَ وَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ إِلاَّ رَبّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءْ) بِالمُفْتَرَيَاتِ وَالمُخْتَرَعَاتْ الَّتِي يِتَفَنَّنُ أَعْظَمَ التَّفَنُّنِ فِي إِنشَائِهَا، ثُمَّ يُعَفِّرُ بِهَا الصَّفَحَاتْ. وَمِنْ شِجَارٍ مَعَ نَاشِرٍ عَلَى بَيْعِ الغَرَرْ، الكَائِنِ فِيْهِ الخَطَرُ كُلَّ الخَطَرْ الَّذِي يَأْبَاهُ العَقْلُ، وَيَرْفُضُهُ النَّظَرُ ... وَهَلُّمَ جَرَّا.

وتاللَّهِ لَدِقَّةُ التَّحْقِيْقِ لَهُ فَرْحَةٌ مَا أَعْسَلَهَا وَأَحْلاَهَا؛ لأَنَّهَا سَتُحَقِّقُ الفَوْزَ العَظِيْمْ؛ بِإِخْرَاجِ النَّصِّ فِي ثَوْبٍ كَرِيْمْ، كَأَنْ لَوُ عُرِضَ عَلَى مُصَنِّفِهِ لَبَهَشَ لِذَلِكَ وَأَعْجَبَهُ، وَقَالَ: ‹‹ سَلِيْمْ ››، يَعْنِي: ‹‹ قَرِيْبٌ مِمَّا صَنَّفْتُهُ، أَوُ مِثْلُهُ ››، وَهَذَا عَلَى1 الفَرْضِ وَالتَّمْثِيْلْ، لاَ الحَقِيْقَةِ وَالتَّجْسِيمْ؛ فَإِنَّهُ مِمَّا يَسْتَحِيلْ، واصْبِرُوْا أَيُّهَا المُدَقِّقُون؛ فَإِنَّ الصَّبْرَ جَمِيْلْ.

مِنْ تَقْدُمَةِ تَحْقِيْقِي لِكِتَابِ ‹‹ الرُّبَاعِيِّ ››، وَهُوَ ‹‹ رُبَاعِيَّاتُ الصَّحَابِةِ ›› [ص/13 ـ 15] بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير