[النية في التحقيق]
ـ[حسام الفقير]ــــــــ[09 - 02 - 09, 10:38 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[النية في التحقيق]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وفداه أبي وأمي ونفسي والناس أجمعين أما بعد:
لكم أنتم معاشر طلبة العلم اليوم أكتب , و أنا لكم اليوم ناصح , فهل من صدر منشرح وقلب منفتح.
في جلسة من جلسات المعهد العلمية مع الدكتور أحمد فؤاد باشا , وبعد أن أطال الكلام و النصح في ضرورة اتباع المنهج العلمي في التحقيق لتراث الأمة المجيد , وضرورة إخراجه بثوب علمي رصين وأمانة دقيقة , وأن الأمر أمانة وغاية نبيلة و و و و , رفعت يدي طالبا المداخلة , فقلت له متسائلا:
دكتور لماذا نحقق؟؟
سكتتُ برهة ثم أعدت السؤال: لماذا نحقق يادكتور هذا التراث؟.
عجيب هذا السؤال!!! و الأعجب منه أن يأتي من طالب بمعهد المخطوطات وتحقيق التراث!! وهو في السنة الأخيرة من الدبلومة!! نظر إلي الدكتور متأملا , مدهوشا , من هذا السؤال. ثم سكتَ , فقد حار جوابا إذ لم يكن يتوقع السؤال.
فقلت له ولكم أقول: هب أن تراث الأمة من ألفه إلى يائه بأصنافه وأنواعه محقق مرصوص في مكتباتنا رفا تلو الأخر, ثم ماذا؟.
هب أن مخطوطات الأمة بأكملها موجودة مفهرسة مصونة , ثم ماذا؟.
هب أن كل الأمة توجهت هذا المسلك من التحقيق والإشتغال بإخراج هذا التراث المدفون والذي نبكي عليه الأطلال يوما بعد يوم , ثم ماذا؟.
نعم , ثم ماذا؟.
ألا ترى يا دكتور أن النية قد غابت في هذا الأمر الذي كان سلفنا - بالأمس يتعبدون الله به تأليفا , وصرنا نحن اليوم نرائي به تحقيقا.
ولما غابت النية , غاب الفهم الذي به نوفق ونُسدد ثم نؤجر, وإلا ما تفسيرك لمتون علمية بسيطة كالأربعين النووية , التى غاية ما فيها من الجهد , التنقيب في كتب السنة المشهورة عن أربعين حديثا ورصها و ضبطها ثم إخراجها , فقط , فكان لها الخلود والبقاء من القرن السابع إلى يومنا هذا , عدا ما كان من اهتمام العلماء بها شرحا وتفسيرا وبيانا , وعن عمدة الأحكام أيضا فقس , وغيرها من المتون الصغيرة أو حتى الكبيرة التي فاح منها عطر الإخلاص , وتجلت نية مؤلفيها منها بوضوح.
غير أن الأمر في زماننا هذا قد زاغ وانحرف عن مساره على مستويين:
الأول: ممن هم من رواد التحقيق لأجل التراث المحض بالنظر إليه على أنه ثراث علمي بحت - وغالب هؤلاء هم أفراخ وأبناء العقل الإستشراقي في الوطن العربي - فأتوا بالعجائب , فرأينا منهم من يخرج تراث المعتزلة المدفون منذ قرون والذي أصبح في طيات النسيان , كما فعل أحدهم باليمن , فأخرجه وفهرسه وشهره , وليت المسكين علم أنه بفعلته هذه قد ضر وما نفع.
وآخر يخرج كتب السحر والشعوذة ليعلم الناس الكفر و سبل الغواية وهو يظن أنه يحسن صنعا , وغير ذلك من الطوام المبكيات.
ولا يغرنك الشيطان بمقولته المشهورة: وكيف نرد عليهم وعلى باطلهم , إن لم نخرج كتبهم , فسوف أجيبك أن الأصل اجتثاث الباطل لا مداواته.
كما أن نوايا هؤلاء الناس قد بانت من أصلها, فهم الذين شعارهم جسدته هذه الكلمات التالية: إن موضوع المخطوطات العربية موضوع حساس ودقيق لأنه متصل بتراث هذه الأمة وهو موضوع قومي متعلق بعلوم الأمة العربية إبان نهضتها وحضارتها".
أقول: قوله بتراث هذه الأمة , فسره بقوله: موضوع قومي , فالقوم يفرقون بين كونه عربي وكونه إسلامي , والأول يريدون.
وثانيا: على مستوى أهل الإستقامة والتدين , فيكفيك للتدليل على ذلك أن الأمر أصبح بالنسبة لهم شهوة. نعم , شهوة الجمع والتخزين أو قل الإخراج دونما أن يخرج هو بفائدة أو نكتة علمية يصحح بها منهجه ودينه وطريقه إلى ربه تعالى , ومن أدلة ذلك أيضا الطبعات تلو الطبعات للمؤلف الواحد , فتجد الكتاب الواحد يخرج بعشرات الإصدارات المتشابهة المتماثلة التى وجوه التفريق فيما بينها ضئيلة , إن لم نقل معدومة , وأقصى جهودهم فيها قولهم مع تخريجات الألباني أو تعليقات إبن باز عليهم رحمات الله المتتابعة.
كنت ولا زلت أقول أن أزمة الأمة في هذا الزمان هي أزمة فهم , نعم الفهم , أن تفهم ماذا يريد الله منك ورسوله صلى الله عليه وسلم.
¥