الأغنياء الذين يشترون من البلاد العربية والإِسلامية المخطوطات ويهدو?ا إلى جامعات الولايات
المتحدة ومتاحفها. والمهم في هذا أننا نحن الذين نبيع هذا التراث رغبة في الربح والمال.
- ولم يكتفِ هؤلاء بشراء التحف الفنية والقطع الأثرية والمخطوطات القديمة بل عمدوا إلى
شراء القصور والبيوت القديمة كما فعل الثر ? ي الأرمني كيفوركيان. فقد اشترى قصرًا لآل القوتلي
بدمشق، ونقله بكل ما فيه: مرمره وخشبه ولبناته وكل قطعة فيه إلى نيويورك. وأعاد تركيبه في متحف
الميتروبوليتان. وقد اجتمعت به هناك وح ? دثني عن مقتنياته. وهو شخصية نادرة الذكاء.
- ولا شك أن تس ? رب تراثنا هذا أمر مؤسف جدًا. وسيجعلنا يومًا من الأيام فقراء في التراث
الفني.
- ولرب سائل يسأل: أيهما أحسن - إبقاء هذا التراث عندنا أم بيعه إلى المكتبات والمتاحف في
أوروبة والولايات المتحدة؟
- والجواب أن ذهابه إلى أوروبة قد ضمن سلامته وحفظه لأن المتاحف والمكتبات ?تعنى بالمحافظة
على المخطوطات عناية فائقة تجعلها لا تشعر بح ? ر ولا يصل إليها السوس، ولا يصيبها البلل. توضع في
أمكنة م?بردة بالإِضافة إلى العناية بفهرستها، وإصدار فهارس لها. وبصورة عامة الإِحساس بقيمة هذا
التراث المكتوب أشد في أوروبة مما هو عندنا. ولكن بدأت اليقظة عندنا في جامعاتنا ومكتباتنا، وحتى
عند الناس، فظهر فينا من يهتم بالتراث ويقتنيه ويشتريه بأسعار باهظة. ولك ? ن هؤلاء قلائل. ولا ب ? د من
تعميق هذا الإِحساس بقيمة هذا التراث. والعمل على التنافس فيه والغيرة عليه، حتى نوقف انتقاله إلى
الغرب ونضمن إبقاءه في ديارنا. وكنت كتبت في هذا الموضوع مقالة في جريدة الشرق الأوسط
ذكرت فيها أ ّ ن اليهود أقاموا الدنيا لأن رج ً لا اشترى من أمريكا توراة قديمة ? ه ? ربت من ألمانية أثناء
الحرب العالمية الثانية. فأقامت الجمعيات اليهودية دعوى في محكمة القضاء الأعلى في نيويورك وطلبت
أن يجبر الرجل الذي اشتراها - وهو ليس يهوديًا - بإعاد?ا وجعلها لليهود لأ?ا من التراث العالمي
اليهودي.
- وأعود إلى بيروت، ومقامي فيها. لقد انطلق ? ت في التأليف، والكتابة في الصحف وا?لات
وإلقاء المحاضرات. وكان لي في جريدة الحياة زاوية اسمها (زاويتي) كانت تصدر كل يوم، وأفدت فائدة
كبرى من الأستاذ كامل مروة نابغة الصحافة العربية، والصحافة كما تعلمون علم وفن وموهبة ولا
يكفي أن تجيد الكتابة حتى تصبح صحفيًا ماهرًا، ولا بد أن يرشدك رجل معل ? م ماهر ويق ? وم اعوجاجك.
- وكان الكثيرون ?يعجبون من كثرة تأليفي. فكنت أضحك. لقد كان لد ? ي مفتاح التأليف
الأول: وهو الثقافة المشاركة في كل علم عرفه العرب. ومكتبتي التي كانت تم ? دني بكل مصدر أريده في
أي موضوع. فلا أحتاج إلى الذهاب إلى مكتبة ولا استعارة كتاب. كان في مكتبتي ثلاثون ألف كتاب.
- وجعلني مقامي في بيروت والجو الثقافي الح ? ر الذي يسود فيها أخوض غمار السياسة ومعالجة
المشكلات التي ?تعاني منها البلاد الإِسلامية والعربية جمعاء. وقد أّلفت في ذلك عدة تآليف كانت
كا ُ لحمم. وصابني بسببها كثير من الجروح، وُأحرقت مكاتبي، وخسرت الكثير. وكدت أفقد عمري.
والكلام على هذه النقطة الأخيرة يطول كثيرًا إذا مضي ? ت فيه.
- أ?يها الإِخوان، هذه خلاصة موجزة عن حياتي، وآمل أن لا يكون الملل قد أصابكم من
حديثي. فشكرًا جميعًا.
((كلمة الأستاذ محمد حسين زيدان))
ثم أعطيت الكلمة للأستاذ محمد حسين زيدان فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم .. قالوا: الأسلوب هو الرجل. وحين تح ? دث الدكتور صلاح، تح ? دث
بأسلوب بسيط جمع إلى الحلاوة حقائق ممتعة. وكان الأمل أن ?يطيل لأنه لم يكن مم ? لا. لقد ح ? دثنا عن
التراث، إ?نه لم يترجم لنفسه، بل هو ألقى محاضرة عّلمنا منها الشيء الكثير وعّلمنا الكثير من الأخلاق
لأكابرنا وعلمائنا.
- قلت: إ ّ ن الأسلوب هو الرجل. وقد اختلفت يومًا معه في الرأي لا في العقيدة ولا في المبادئ.
فأنا رجعي مثله، والحمد لله أن الرجعية بعدما رأينا من حركات سم ? وها تقدمية وأحداث، لم تعد ?م ? س?بًة بل
أصبحت من مفاخرنا. فالفخر أن نكون ثابتين على مبادئنا وعلى قيمنا وعلى تراثنا. كان الخلاف في
الرأي بيني وبينه ? و ? همًا مني. كان يريد الناس كما ذكر الآن، وأنا كنت أدافع عن الناس. أتعرفون
¥