مدرسة كاملة، وكانت حياًة بكل معنى الكلمة. ولقد كان الأستاذ كامل من أفذاذ الأ?مة العربية. عقيدًة
صلبة، وإيمانًا صافيًا وكفاءة عالية، وجهدًا عظيمًا.
- لقد عرفت الدكتور المنجد أول م ? رة في القاهرة. بعد أن كنا قرأنا مقالاته ومؤلفاته وسمعنا
أخباره. زرته في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية فاستقبلني بالترحاب الكبير. وجدت عنده
زائرًا فاستأذن أن يتم الحديث معه. وسمع?ته يقول بلهجة شديدة إنك تطبع الكتب التي أّلفها الأقدمون،
بدون تصحيح ولا تحقيق. وهذا لا يجوز. إن ّ همك الربح. وهذه جريمة، فلن أسمح بإعطائك أي صورة
عن أي مخطوط إلاَّ إذا عرفت أن الذي سيحققه عالم وأهلٌ لذلك، عالم بموضوعه، مختص فيه. لا يجوز أن
?ن? عبث ونش ? ؤه تراثنا.
- فاستأذن الرجل وخرج. وقال لي: إن النهم الذي تراه عند ناشري الكتب ليس له حد. ونحن
بحاجة إلى نشر تراثنا القديم وتحقيقه ولكن على أيدي العلماء لا التجار.
- وعندما ترك القاهرة وانتقل إلى بيروت كنا نجتمع في جريدة الحياة مع الأستاذ الكبير كامل
مروة رحمه الله. وعندما أصبح عنده دار للنشر سماها (دار الكتاب الجديد) واتخذ مقرها في بناية
اللعازارية كنت كثيرًا ما أزوره ونقطع الوقت باستعراض الأحداث، وما زرته م ? رة إلا وجد ? ت أمامه
على طاولته أكداسًا من المطبوعات والمخطوطات يقرؤها أو يص ? ححها أو ينتقدها. وأنواعًا من الصحف
اليومية وا?لات ?يراجعها ويرى أخبارها. وكانت تلك السنوات في الستينات، ف ? وارة بأخبار التقدم?ية
والاشتراكية والناصرية وغيرها. وإني لأذكر للأستاذ المنجد مواقف عظيمة وقفها للدفاع عن بلادنا
هذه، وبيان ما دبره لها بعض الح ّ كام من ?مؤامرات. وقد أوذي كثيرًا فأحرقوا في بيروت مكاتبه ومزقوا
مؤلفاته، وباعوا مخطوطاته.
- ولقد كان صهره كامل مروة ثابتًا على مبادئه، ونصحته مرات أن يخّفف من حملاته ضد
أصحاب المبادئ الواردة. فكان يقول: أنا أكتب وأدافع وأحارب وأنافح عن الإِسلام وعن العروبة.
وقد عرفته صلبًا صادقًا. وقد كّلفه ذلك ذهاب حياته واغتياله. رحمه الله.
- وكان جابرًا عثرات الكرام. كما كان الدكتور صلاح وفيًا لأصحابه وأصدقائه. وقصتهما مع
فخري البارودي مما ?يس ? جل و?يذكر. فخري البارودي الزعيم السوري الكبير الذي لم ينافسه في زعامته
الشعبية أحد في الشام، والذي ملأ بأخباره ونكاته، ومكافحته فرنسة، واهتمامه بالموسيقى العربية، ما لم
يضارعه أحد في ذلك، ففي ذات يوم وأنا في بيروت، قرأت في جريدة الحياة أ ّ ن فخري البارودي يرقد
في غرفة في ?مستشفى الجامعة الأميركية. وكنت قد عرفته شخصيًا عندما جاء إلى المملكة في وفد سوري
كان فيه على ما أذكر جميل ?م ? ر ? دم وشاعر الشام شفيق جبري، وغيرهم واتصلت المو ? دة بيني وبينه. ولي
معه ذكريات حلوة ذكر?تها في مذكراتي. فرأي ? ت من الواجب عل ? ي أن أزوره وأعوده. فذهب ? ت إلى
مستشفى أحمل باقة من الزهور. فدخل ? ت عليه وق ? دمت نفسي. فأ ? هل ور ? حب وق?بلني. وكان يعرف أني
موظف في الحكومة. فوجد?ته ?م?ت?عبًا جدًا. فسألته عما حدث له. فقال لي: لولا لطف الله، ولولا صلاح
المنجد وكامل مروة لما رأيتني، ولكن ? ت من الموتى. قلت: خير، ماذا حصل؟ قال ُأصِ?ب ? ت بنوبة قلبية بعد
منتصف الليل قبل أمس، وأنا وحدي في فندق ب ? سول. (فندق بسيط رخيص الأجر). فلم أجد من
أتصل به سوى صلاح المنجد. فأسرع إ ّ لي، وأدخلني المستشفى.
- أما تفاصيل ذلك فأتركها للدكتور المنجد فهو أدرى ?ا.
((سعادة الدكتور المنجد يقص حكايته مع فخري البارودي))
و بناء على إشارة معالي الشيخ عبد الله بلخير بأن تفاصيل القصة سيقوم بسردها سعادة
الدكتور المنجد استجاب الدكتور المنجد: وأخذ يقص تفاصيل القصة فقال:
- إ?ا قصة مؤثرة حّقًا. فقد اتصل بي فخري بك، رحمه الله، في الساعة الثانية صباحًا بعد
منتصف الليل، وقال بصوت لاهث خافت: الحقني سأموت إن لم تدركني.
- فسألته: أين أنت؟ فأخبرني أنه في "نزل" قرب الزيتونة اسمه "فندق ب ? سول" فاستغرب ? ت كيف
يترل في مثل هذا الفندق فقمت وارتدي ? ت لباسي، وسأل ? ت جارًا لي أيق ُ ظته أن يوصلني إليه لأني لا أسوق
سيارة، لكني قبل ذلك اتصلت بصديق لي اسمه الدكتور علاء الدين الدروبي، وهو أعظم طبيب في
¥