ويضيف المقحفي أنه كثيرًا ما تتردد قصص عن سرقات للمخطوطات وتهريبها، ولكن أيا من هذه العمليات لم تحدث بالنسبة لدار المخطوطات ومكتبة الجامع الكبير، وكانت محاولة واحدة قد تمت ولكنها باءت بالفشل، وأكثر عمليات تهريب تحدث في المكتبات الخاصة بالمواطنين والعلماء الذين يورثونها لأبنائهم، وغالبًا يعي الأبناء أهمية هذه المخطوطات التي قد يتم التصرف بها بيعًا أو تخزينها في أماكن وبيئة غير مناسبتين، مما يؤدي إلى تعرضها للتلف، وهو ما دفعنا إلى تنظيم حملات توعية بأهمية هذه المخطوطات وإجراء الصاينة اللازمة للتالف منها، كما نعمل على اقتناء ما يمكن منها، وقد بلغت خلال العشر سنوات الماضية [3700] مجلد اشتريناها مقابل مبالغ مالية تدفعا الدار لأصحاب المخطوطات، ولكن هذه العملية خاضعة لمبادرات المواطنين، لأننا لا نستطيع إجبار أحد على تسليم هذه المخطوطات أو الاستيلاء عليها.
10000 مخطوطة مهربة
ولأن عمليات التهريب للمخطوطات اليمنية تحاط بسرية تامة وإجراءات حماية دقيقة حتى لا تكتشف فإن أياً من الجهات المختصة لا تستطيع إعطاء رقم محدد عن حجم المخطوطات المهرب خارج اليمن، غير أن هناك معلومات تقول أن ما تم تهريبه من المخطوطات خلال الخمسين عامًا الماضية يصل إلى عشرة آلاف مخطوط حسب أمين عام دار المخطوطات في صنعاء الذي استدرك قائلاً: يبدو أن هذا الرقم مبالغ فيه نوعًا ما؛ لأن تحديد رقم واضح يحتاج إلى رصد ومتابعة، وأيا كان حجم المهرب من المخطوطات فإنه يمثل خسارة كبيرة، لأن ما يتم تهريبه عادة ما يكون من المخطوطات الممتازة.
غير أن مختصين ذكروا أن حجم المهرب قد يكون أكبر من الرقم المذكور، مستدلين بما يتم ضبطه من مخطوطات كانت في طريقها إلى التهريب، حيث تم ضبط [2500] مخطوط في عمليتين فقط من عمليات التهريب، وفي فترات زمنية متقاربة.
ويقول الباحث المؤيد أن الأجهزة المعنية بمطارات ومداخل الدول الشقيقة المجاورة أبدوا تعاونًا كبيرًا مع اليمن في هذا الجانب من خلال ضبط مخطوطات يمنية مهربة قاموا بإعادتها إلى صنعاء، وقبضوا على عدد من مهربيها.
ويشير المقحفي إلى أن بعض المخطوطات التي تمت مصادرتها أثناء محاولات التهريب تعتبر نادرة؛ لأنها مكتوبة بأقلام مؤلفيها مثل الإمام الشوكاني والإمام محمد إسماعيل الأمير.
مخطوطات يمنية عبر العالم
ويؤكد الكثير من الجهات اليمنية المختصة والمسؤولين اليمنيين وجود الآلاف من المخطوطات اليمنية في العديد من المكتبات العالمية؛ حيث يقول المقحفي: إن مكتبة [إلقرزيانا] بإيطاليا تحتوي على ما يقرب من سبعة آلاف مخطوط يمني، وسبعمائة مخطوط في مكتبة الكونجرس بأميركا .. بالإضافة إلى ما تحتويه مكتبة [الأسكريال] بأسبانيا، والمكتبة الأهلية في باريس، ومكتبات أخرى في برلين ولندن وتركيا والهند وغيرها من الدول التي لم يتمكن المختصون من تحديد حجم المخطوطات اليمنية الموجودة بها.
وكان الدكتور حسن العمري السفير اليمني السابق لدى بريطانيا رصد في كتاب أصدره عنوانه 'مصادر التراث اليمني في المتاحف والمكتبات البريطانية' ما تختزنه هذه المتاحف والمكتبات من مؤلفات ومخطوطات يمنية نادرة وشاملة للكثير من العلوم والمعارف التي سربت بطرق شتى إلى خارج اليمن لتستقر في هذه الدول.
مسؤولون متورطون:
وكان مجلس النواب اليمني استشعر خطورة الموقف بالنسبة للآثار والمخطوطات اليمنية، فكلف لجنة الإعلام والثقافة والسياحة في أكتوبر [تشرين الأول] 1998 بالتحقق فيما يثار حول تهريب المخطوطات اليمنية من خلال البحث الميداني في المناطق الغنية بالمخطوطات والالتقاء بالمختصين لتخرج اللجنة بتقرير مفصل حول هذه القضية قدمته للمجلس في حينه، وأشارت فيه إلى أن المكتبات والمخطوطات اليمنية مهددة بالانقراض، وإلى اختفاء الكثير من مكتبات الجوامع.
وأكد التقرير البرلماني أنه تبين أن الكثير من المخطوطات تم تسريبها أو بيعها بطرق وأساليب مختلفة عبر سماسرة محللين وتجار للمخطوطات، كما أكد عبد الوهاب الروهائي وزير الثقافة اليمني أثناء تزويد الدار بما يقرب من 2500 مخطوط كانت لدى وزارته وجود عصابات منظمة تتاجر بالمخطوطات اليمنية، غير أنه لم يسمها، وتتداول الأوساط اليمنية معلومات تشير بأصابع الاتهام لمسؤولين يمنيين يديرون عصابات التهريب ويتاجرون بآثار وتراث الأمة، وهو ما يفسر عدم تقديم أي من الأشخاص الذين يتم كشفهم أثناء عمليات التهريب للمساءلة القانونية رغم كثرة الحالات التي يتم ضبطها.
وثمة خطر آخر يهدد بفناء المخطوطات اليمنية، ويتمثل في إهمال أصحاب المكتبات الخاصة وبيوت العلم وأمناء الأوقاف لأعداد كبيرة من المخطوطات التي بحوزتهم والتي تتآكل بفعل سوء التخزين، الأمر الذي يحد من جهود دار المخطوطات الهادفة إلى ترميم وصيانة هذا التراث المتآكل.
¥