تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان كثير التطلع إلى إفريقية معمور القلب بسكناها مذ فارق جزيرة الأندلس، لذلك ركب البحر من سبتة متوجهاً إليها بعد حادثة فتنة بني مرين، ووصل بجاية في شهر جمادى سنة 646هـ، ودخل على صاحبها الأمير أبي يحيى ابن الأمير أبي زكريا الحفصي وكان صاحبها لأبيه.

وأقام بها حوالي سنتين يعلم ويدرس، وكان الطلبة أثناء ذلك يقرؤون عليه تنقيحات السهروردي، وهي من مغلفات أصول الفقه عند طائفة ممن لم يمارس علم الأصول، ولا يتعرض لإقرائها إلا من له ذهن ثاقب (7) ..

ومن بجاية انتقل إلى تونس حيث مال إلى صحبة الصالحين بها والزهاد أهل الخير برهة من الزمان، ثم نزع عن ذلك، وتقلد قضاء الأربس، فقضاء قابس الذي طالت مدته به، ثم استدعاه الأمير الحفصي المستنصر بالله محمد بن أبي زكريا (647 - 675هـ)، وصار من خواص الحاضرين بمجلس حضرته من فقهاء دولته.

ويذكر صاحب الذيل والتكملة أن أبا المطرف داخل المستنصر مداخلة أنكرها عليه، ولما سئل عنه قال المستنصر: ذلك رجل رام إفساد دنيانا علينا فأفسدنا عليه دينه. ويرى المؤلف نفسه أن صاحب الترجمة كان متشبعاً بالعلوم القديمة متعاطياً لها وأنها السبب في الإخلال بمعتقده والافتتان في آخر عمره، إذ كانت وفاته بتونس في 20 من شهر ذي الحجة سنة 658هـ (8) ..

ترك أبو المطرف مجموعة من التصانيف في ميادين الأدب والتاريخ والفقه، فمن آثاره التاريخية: تاريخ ميورقة موضوع هذا البحث، واختصار كتاب ثورة المريدين لابن صاحب الصلاة. ومن مؤلفاته الفقهية كتاب تعقب فيه الإمام فخر الدين بن الخطيب الرازي في كتابه المعالم في أصول الفقه وقد اطلع عليه الغبريني صاحب عنوان الدراية ووصفه قائلاً: "وقد رأيت له تعليقاً على كتاب المعالم في أصول الفقه لا بأس به، وهو جواب لسؤال سائل، وهو مكمل لعشرة أبواب حسبما سأل السائل" (9).

أما إنتاجه الأدبي فمنه: كتاب رد به على أحد معاصريه من المشارقة وهو كمال الدين أبي محمد بن عبد الكريم الزملكاني في كتابه التبيان في علم البيان المطلع على إعجاز القرآن، سماه كتاب التنبيهات على ما في التبيان من التمويهات. وأما رسائله الديوانية والإخوانية النثرية والنظمية الكثيرة التي خاطب بها ملوك ورؤساء وأعيان وأدباء عصره، فقد دونها الأستاذ أبو عبد الله محمد بن هانئ السبتي (ت733 هـ)، ورتبه في كتاب سماه بغية المستطرف وغنية المتطرف من كلام إمام الكتابة ابن عميرة أبي المطرف (10).

وفي ختام هذا التقديم الموجز لحياة أبي المطرف لا بأس من إيراد بعض الشهادات في حقه. فهذا معاصره وابن بلده ابن الأبار قد حلاه بالعبارات التالية: "فائدة هذه المئة، والواحد يفي بالفئة، الذي اعترف باتحاده الجميع، واتصف بالإبداع فماذا يتصف به البديع، ومعاذ الله أن أحابيه بالتقديم، لما له من حق التعليم، كيف وسبقه الأشهر، ونطقه الياقوت والجوهر، تحلت به الصحائف والمهارق، وما تخلت عنه المغارب والمشارق، فحسبي أن أجهد في أوصافه، ثم أشهد بعدم إنصافه، هذا على تناول الخصوص والعموم لذكره، وتناول المنثور والمنظوم على شكره". (11).

وهو عند أبي عبد الملك، "عَلَمُ الكتابة المشهور، وواحدها الذي عجزت عنه ثانية الدهور، ولاسيما في مخاطبة الإخوان، هنالك استولى على أَمد الإحسان، وله المطولات المنتخبة، والقصار المقتضبة، وكان يملح كلامه نظماً ونثراً بالإشارة إلى التاريخ ويودعه الماعات بالمسائل العلمية منوعة المقصد ... وكان حسن الخَلق والخلق، جميل السعي للناس في أغراضهم، حسن المشاركة لهم في حوائجهم، متسرعاً إلى بذل مجهوده فيما أمكن من قضائها بنفسه وجاهه". (12).

أما صاحب الإحاطة فقد قال في حقه: "وعلى الجملة فذات أبي المطرف فيما ينزع إليه، ليست من ذوات الأمثال، فقد كان نسيج وحده، إدراكاً وتفنناً، بصيراً بالعلوم، محدثاً مكثراً، راوية ثبتاً، سجراً في التاريخ والأخبار، دياناً مضطلعاً بالأصلين، قائماً على العربية واللغة، كلامه كثير الحلاوة والطلاوة، جم العيون غزير المعاني والمحاسن، وافد أرواح المعاني، شفاف اللفظ حر المعنى، ثاني بديع الزمان في شكوى الحرفة وسوء الحظ ورونق الكلام ولطف المأخذ، وتبريز النثر على النظم والقصور في السلطانيات". (13).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير