تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن المخطوط لا يتناول تاريخ جزيرة ميورقة بالمفهوم الشامل للكلمة حسبما ما يوحي به العنوان، ولكنه يؤرخ لفترة محددة وهي مرحلة السقوط النهائي للجزيرة على يد الإسبان مع التركيز على الأسباب والعوامل وكيفية السقوط. لذلك نجد جل المصادر التي ترجمت لصاحب المخطوط حين تشير إلى قا ئمة تصانيفه ومؤلفاته تذكر العبارة التالية: "وله تأليف في كائنة ميورقة وتغلب الروم عليها". والكائنة هي الحادثة، وهي عبارة بليغة تعبر عن المحتوى الحقيقي للمخطوط وتتناسب مع ما جاء فيه. وقبل قراءة وعرض حادثة السقوط موضوع المخطوط يحسن بنا تقديم كلمة موجزة عن تاريخ الجزيرة قبل أن تؤول إلى ما آلت إليه.

ميورقة هي جزيرة في البحر الزقاقي (المتوسط)، تسامتها من القبلة (الجنوب) بجاية، ومن الجوف (الشمال) برشلونة، ومن الشرق إحدى جزيرتيها وهي منورقة، وغربيها جزيرة يابسة، وهي أم هاتين الجزيرتين وهما بنتاها، بينها وبين الأولى أربعون ميلاً، وبينها وبين الثانية سبعون ميلاً. وطول ميورقة من الغرب إلى الشرق سبعون ميلاً، وعرضها من القبلة إلى الجوف خمسون ميلاً، وقد فتحها العرب المسلمون سنة 290هـ (17). وكان الذي فتحها هو عصام الخولاني على عهد الأمير الأموي عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن (275 - 300هـ)، ووليها عشر سنين وعمّرها، ثم وليها ابنه عبد الله حتى سنة 350هـ، ثم تعاقب عليها بعد ذلك موالي الأمويين (18).

وبعد سقوط الخلافة الأموية في الأندلس وظهور ملوك الطوائف، كانت ميورقة وكل الجزائر الشرقية (جزر البليار) تتبع لمملكة دانية برئاسة أسرة مجاهد العامري. وظلت كذلك حتى سنة 468هـ تاريخ سقوط مملكة دانية في يد المقتدر بن هود صاحب سرقسطة، فاستقل برئاستها حينئذٍ عبد الله المرتضى الذي كان والياً عليها من قبل علي بن مجاهد العامري حتى سنة 486 هـ تاريخ وفاته، فخلفه على ولايتها أحد فتيانه وهو مبشر بن سليمان فضبط شؤونها بحزم وكفاية. واستمر على حكمها فترة طويلة أي إلى غاية سنة 508 هـ، وهو التاريخ الذي تعرضت فيه ميورقة للغزو الإسباني الذي اتحدت فيه جمهوريتا بيزة وجنوة وإمارة برشلونة، وهو أول غزو إسباني لها منذ فتحها (19).

ولكن سرعان ما استعادها المرابطون في أواخر سنة 509 هـ وعينوا عليها والياً جديداً هو أنور بن أبي بكر اللمتوني، فأضحت بذلك الجزائر الشرقية جزءاً من الدولة المرابطية الكبرى ودخلت في عهد جديد من تاريخها، سيما بعد تعيين محمد بن غانية المسوفي والياً عليها سنة 520 هـ، من قبل الأمير علي بن يوسف. واستطال حكمه لتلك الجزائر زهاء ثلاثين عاماً، أي إلى مابعد سقوط الدولة المرابطية في المغرب والأندلس. وعمل على توطيد سلطانه هناك والاستقلال بشؤونها وجعل منها ملجأً ومثوى للوافدين والفارين من فلول لمتونة أمام الموحدين. وبعد وفاته سنة 550 هـ خلفه على ولاية ميورقة ابنه عبد الملك الذي لم تطل ولايته إذ خلفه أخوه إسحاق بن محمد حتى تاريخ وفاته سنة 579 هـ. ووليها ابنه عبد الله منذ سنة 583هـ حتى سنة 600 هـ تاريخ افتتاحها من طرف الموحدين.

وكان الفتح الموحدي لميورقة ضربة شديدة لبني غانية، قضت نهائياً على سلطانهم في الجزائر الشرقية، وكان لهذا الفتح وقع عميق أيضاً لدى الممالك النصرانية القريبة، سيما مملكة أرجوان في شرق شبه الجزيرة، وهذا ما تشير إليه رسالة الفتح التي بعثها الخليفة الناصر من إنشاء كاتبه ابن عياش حين تقول: "ولأخذ ميورقة على صاحب أراغونه وبرشلونة أشد من شرق النبل، وأهول من وقع السيف، وأوحش من القطع بحلول الممات" (20). وكان أول الولاة الموحدين على ميورقة هو أبو محمد عبد الله بن طاع الله الكومي، ثم ولى الناصر عليها عمه السيد أبا زيد بن أبي يعقوب يوسف وندب ابن طاع الله لقيادة البحر، وبعده وليها السيد أبو عبد الله بن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن (21). أما رابع الولاة الموحّدين عليها فهو الذي أخذها منه النصارى، وبه استهل ابن عُميرة المخزومي حديثه في مخطوط تاريخ ميورقة موضوع هذا البحث.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير