[التعليق على النص في التراث العلمي.]
ـ[إبراهيم اليحيى]ــــــــ[02 - 08 - 09, 02:38 م]ـ
أقول: ضمن دراستي في معهد البحوث والدراسات، قسم الدراسات التراثية، مادة هي صلب التخصص وهي (قواعد التحقيق) وأستاذها في الفصل الأول والثاني الأستاذ الشاب الذي جاز الثمانين عصام بن محمد الشنطي ـ حفظه الله وسدده ـ وقد كلفنا بتلخيص كتاب عبد السلام هارون، مع عدة مذكرات كان منها بحث كُتب في مجلة الأحمدية العدد الثاني عشر رمضان 1423هـ بعنوان (التعليق على النص في التراث العلمي: الكيفية والضرورة) للأستاذ مصطفى يعقوب عبد [رب] النبي. من ص 266 حتى ص 295
فأحببت أن تعم الفائدة وألخص أبرز ما جاء في البحث، عسى أن تصل الرسالة لشخص يعمل الآن على تحقيق أحد الكتب العلمية فيتنبه ويتفطن لما ينفعه، أو آخر يهتم بجوانب تحقيق التراث عموما، وربما أضفت شيئا من عندي.
جاء في التعريف بالبحث:
يهدف هذا البحث إلى بيان أهمية التعليق على النص في التراث العلمي باعتباره حالة خاصة من التراث العربي، وذلك للوصول إلى تحقيق التراث العلمي تحقيقا علميا يجعل التراث العلمي العربي يدخل دائرة تاريخ العالم الإنساني العام بدلا من أن يكون مجرد مخطوطات مستغلقة الفهم إلا على قلة محدودة من أهل الاختصاص.
وتأتي الأهمية عبر محاور ثلاثة:
المحور الأول: ويختص بإيراد المقابل العلمي لأسماء الأعيان، من نبات أو حيوان أو معادن وما إلى ذلك من سائر الأعيان، وذلك من شروح اللغة أو عن طريق الاستنتاج من خلال السياق.
المحور الثاني: ويختص بتفسير المصطلحات العلمية التراثية على ضوء معطيات العلم الحديث، من خلال مراجعة مؤلفات التراث العلمي في الموضوع نفسه الذي يختص بنوعية تلك المصطلحات، بالإضافة إلى خبرة المحقق نفسه.
المحور الثالث: ويختص بشرح الفقرات العلمية الواردة في النص، بما يوافق العلم الحديث، وذلك من خلال أهل الاختصاص في العلم المراد تحقيق مؤلفاته.
يتبين من خلال المحاور أن المراد بالنص العلمي أو التراث العلمي هي العلوم البحتة والتطبيقية وما شابهها.
جاء في مقدمة البحث، خلاصة ما ذهبت إليه اللجنة المنعقدة في بغداد سنة 1980م تحت عنوان (أسس تحقيق التراث العربي ومناهجه) أن هناك ثلاثة مقاصد أساسية في تحقيق التراث:
المقصد الأول: تقديم النص صحيحاً مطابقاً للأصول العلمية.
المقصد الثاني: توثيق النص نسبة ومادة.
المقصد الثالث: توضيح النص وضبطه.
وعلى ضوء هذه المقاصد أقرت اللجنة منهج التحقيق الذي يدور حول ثماني نقاط هي:
1 ـ اختيار المخطوط.
2 ـ معرفة النسخ، وجمعها.
3 ـ دراسة النسخ وتعرف مراتبها من الصحة.
4 ـ ضبط النص.
5 ـ التعليق على النص.
6 ـ المقدمة.
7 ـ الفهارس.
8 ـ الطباعة والنشر.
ثم عرض الباحث إلى أراء حول التعليق على النص:
ومفاد كلامه أن التعليق على النص عموما له ثلاثة مدارس:
المدرسة الأولى: إخراج النص مصححا مضبوطا في أقرب صورة أراده مؤلفه بدون حواشي ولا شروح لا ما غمض من الألفاظ ولا ما أبهم من المفردات، أي تحويل النص من صورة المخطوط إلى المطبوع، ويتزعم هذه المدرسة المحقق الشهير الدكتور صلاح الدين المنجد.
المدرسة الثانية: تحبذا التعليق عند ما يحتاج إليه فقط، مع الحرص على عدم الإفاضة.
المدرسة الثالثة: توجب التعليق على النص عند كل ما يعسر فهمه وإدراكه على القارئ الكريم من ألفاظ ومعاني، وهذه المدرسة فتح الباب على مصراعيه. ومرد الأمر للمحقق في تقدير ما يستحق التعليق عليه وما لا.
إذن فالتعليق على النص من الأمور الواردة في عملية التحقيق، وإن اختلفت طبيعته حسب طبيعة النص المحقق، وإذا كان التعليق من الأمور الواجبة في كتب التراث الأدبي، فإنه أشد وجوبا في كتب التراث العلمي لسبب يسير للغاية، وهو أنه لا يتاح لقارئ التراث العلمي الحد المعقول للفهم حتى ولو لجأ إلى المعاجم وشروح اللغة، ناهيك عن ضآلة الكتب المحققة في التراث العلمي.
مشكلات تحقيق النص العلمي:
1 ـ أسماء الأعيان.
نخلص من هذا إلى القول بأنه من الواجب على المحقق ـ في هذه الحالة ـ أن يتناول أسماء الأعيان سواء أكانت هذه الأسماء، أسماء نباتات أو حيوانات أو معادن أو نجوم ... الخ بالشرح والتفسير الذي يتضمن بطبيعة الحال المقابل العلمي لها حتى يكون القارئ على بينه مما يقرأ من تراث العرب العلمي، بدلا من أن يقرأ ألغازا وأحاجي فيسوء ظنه بالعلم العربي لأن الفهم ممتنع عليه بسبب تلك الألغاز والأحاجي.
2 ـ المصطلحات العلمية. هناك أربعة وسائل تساعد المحقق في شرح المصطلحات العلمية شرحا علميا:
أ ـ لجوء المحقق إلى معاجم اللغة وشروحها.
ب ـ الاحتكام إلى المؤلفات التي وضعت في شرح المصطلحات بوجه عام مثل كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي والكليات لأبي البقاء والتعريفات للجرجاني وغيرها.
ج ـ مراجعة الكتب التي ألفها العلماء العرب في العلم نفسه المراد شرح مصطلحاته.
د ـ خبرة المحقق وهي إما خبرة في التخصص العلمي أو خبرة في تحقيق نصوص التراث لا سيما العلمي منه.
3 ـ تفسير الجمل أو الفقرات ذات المحتوى العلمي.
لا بد أن يكون لدى المحقق بعد المعاناة حس علمي أو ملكة يجعل من تحقيقه وتعليقه على النص أمرا في غاية الأهمية مما يسهل على القارئ فهم النص.
خاتمة البحث:
يتبين مما سبق أنه من أوجب الضرورات وأولاها بالعناية؛ التعليق على النص في التراث العلمي، لأسباب شتى لعل من أهمها ما يلي:
1 ـ إن مآثر العرب في العلوم لا تتضح إلا من خلال فهم النص نفسه ولا يتأتى فهم النص إلا من خلال التعليقات اللازمة.
2 ـ أن إيراد المقابل العلمي يؤدي في النهاية إلى تكوين معجم علمي.
3 ـ إنه مما لا شك فيه أن التعليقات التي تفسر معاني النص سوف يكون لها أكبر الأثر في كتابة تاريخ العلم عند العرب على أساس علمي موثوق به، فضلا عن تصحيح بعض المعطيات الخاطئة في كتابات مؤرخي العلم من الغربيين.
أورد الباحث العديد من الأمثلة التي تجاوزتها، فقد أجاد وأفاد فجزاه الله خيرا ونفع به.
¥