رغم هذا العطاء السخي للشيخ عبد الرحمن الأخضري من تأليف لعدد من المصنفات في شتى العلوم والفنون ورحلات علمية صال وجال من خلالها من أجل تحصيل العلم, وتلك الخلوة والانعزال التي حببت إليه وكانت في بعض الأحيان سببا في تأليف العديد مصنفاته, شاء القدر أن يرحل إلى تلك الدار الأبدية.
غير أن السنة التي توفي فيها في الشيخ عبد الأخضري بدت غامضة بعض الشيء عند أكثر من ترجموا له, حتى أن بعضهم اكتفى بأن وفاته كانت في القرن الخامس الهجري (16). وعلى هذا الأساس نلاحظ تباينا واضحا في تحديد سنة الوفاة في حل المصادر التي ترجمت له غير أن الراجح منها هو 983هـ/1575م. وهو ما ذهب إليه كل من حاجي خليفة والزركلي ومحمد شطوطي, وعادل نويهض فيما استدركه من كتابه معجم أعلام الجزائر, بعدما ثبت له خطوة في السنة التي ذكرناها سابقا.
رغم هذا التباين المتضارب في الآراء حول وفاة الشيخ عبد الرحمن الأخضري إلا أننا نرجح كما سبق ذكره انه عاش إلى بداية الثمانين من القرن العاشر الهجري, فكانت وفاته سنة 983هـ هذه أثناء تواجده بـ"كحال" (17) , ثم نقل جثمانه إلى مسقط رأسه بناء على وصيتة أوصى بها تلاميذه أثناء مرضه, دفن –رحمه الله- بجوار "محمد عامر" ووالده الصغير "أحمد بن محمد الصغير", ولا يزال ضريحه قائما إلى اليوم بزاوية جده بقرية "بطنيوس" وزار قبره الحسين الورتلاني (18) , حيث يقول: "وقد زرت قبر الشيخ سيدي عبد الرحمن, وله تآليف كثيرة ومفيدة وهو من العارفين بالله تعالى شرقا وغربا".
يعد الشيخ عبد الرحمن الأخضري من بين أولياء الله الصالحين الذين قال فيهم سبحانه وتعالى: "ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (19) والذين أفنوا عمرهم في خدمة العلم ثانيا. وما أحوج بلادنا اليوم لمثل هؤلاء الرجال العلماء العظام الذين يرجع لهم الفضل الكبير في نشر كثير من فنون العلم التي اندثرت زمنا وعادت إلى الوجود بفضل الله ثم بفضلهم.
مؤلفاته:
مؤلفات الأخضري تزيد عن العشرين مؤلفا بين متن وشرح أو تربو عن الثلاثين كما جاء ذلك في مقال للمهدي البوعبدلي (20) منها ما هو مطبوع طبعات قديمة أو حديثة، ومنها ما هو مخطوط ينتظر الطبع ومنها ما تعرض للضياع والتلف.
1/- الجوهر المكنون في الثلاثة فنون:
عبارة عن متن يحوي علوم البلاغة من بحر الرجز يقع في 291 بيتا وعليه شروح منها شرح الأخضري نفسه وهو شرح بالغ الأهمية. (21)
2/- السراج في الهيئة:
وهو عبارة عن نظم من البحر الطويل موضوعه علم الفلك: نظمه سنة (939هـ) وهو ابن تسعة عشر سنة وجاء فيه:
أقول وفضل النفس في الصدر أوقع
وقد جعل الله الكواكب زينته
وفي الحق ما يخفر إليه ويسمع
تروق عيون الناظرين وتقرع
ولولا امتياز الحوض ما غاب ورده
وفيها رجوم للشياطين كلما
ولولا ارتواء الروض ما كان يقرع
أرادوا استراق السمع كفوا وزعزعوا
وقد قام بشرح هذا النظم تلميذه عبد العزيز بن أحمد بن المسلم، وهو شرح مفيد، كما قام بشرحه أيضا سحنون بن عثمان الميدوي الونشريسي وسمى شرحه"مفيد المحتاج في شرح السراج" (22).
3/- الدرة البيضاء في أحسن الفنون والأشياء: (23)
أرجوزة في التروكات والحساب نظمها سنة 940هـ، وهو ابن عشرين سنة، يوم كان تلميذا على يد والده، وكان الفراغ منها في شهر رمضان سنة 947هـ (24)، ويحتوي على خمسمائة بيت، يقول في مستهلها:
الحمد لله العظيم الوارث
فن الفرائض الذي تعلقا
الدائم الفرد القديم الباعث
بالإرث فلتكن به محققا
هذا وإن أحسن المقاصد
فهاك منه ضابطا مهذبا
وأحسن الفنون والفوائد
منظما مختصرا مقربا
إلى أن يقول فيها:
سميته بالدرة البيضاء
في أحسن الفنون والأشياء
قد احتوى على ثلاثة جمل
الفقه والحساب ثم العمل
وقد قسمها إلى ثلاثة أقسام: الأول في الحساب والثاني في الفرائض والثالث في تصحيح الفروض وتوضيح القسمة الصحيحة للتركات.
ويقول في آخرها:
وهذه نهاية المراد
وقد فرغت من جميع النظم
وإن عنى به عذول منتبه
والحمد لله الذي قد أحسنا
من بعد تسعمائة محصلة
قد انتهى ما رمته مبينا
من سنة لأربعين مكملة
وربنا الهادي إلى الرشاد
بأفضل الشهور شهر الصوم
فلبني عشرين عذر متجه
¥