تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عند كل واحدة منها نكبر الله سبع تكبيرات ترمى عند كل تكبيرة حصاة صغيرة بين

أصابعنا نعد بها التكبير، والعدد بالحصى - ومثله النوى في مثل الحجاز - من

الأمور المعهودة عند الذين يعيشون عيشة السذاجة، فنجمع بهذا الذكر بهذه الكيفية

بين إحياء سنة إبراهيم الذي أقام الدين الحق في هذه المعاهد وبين التعبد لله تعالى

بكيفية لا حظ للنفس ولا محل للهوى فيها، وللعبادة منها شعائر يجتمع لها الناس

وتقصد الأمة بعملها إظهار الدين والاجتماع والتآلف على عبادة الله تعالى، وكل

أعمال الحج من هذا القبيل، ومنها ما يقصد به تربية كل فرد نفسه وتزكيتها فقط

كالتهجد، وذكر الله في الخلوة، فلا يقال: إن الذكر والتكبير لا يختص بذلك الزمان

والمكان؛ لأن هذا القول لا يصح إلا في غير الشعائر؛ إذ الشعائر لا بد فيها من

التخصيص والتوقيت لأجل جمع الناس عليها بنظام كالأذان وصلاة الجماعة

والجمعة والعيدين.

أما كون رمي الجمار شرع لذكر الله تعالى فسيأتي حديث عائشة المصرح به

في جواب السؤال التالي، وأما سبب وقوف إبراهيم في تلك المعاهد لذكر الله

وتكبيره وعده بالحصى فلا يضرنا جهله، ويكفينا أن نقتدي به في هذه الشعيرة

كشعيرة الطواف وغيرها من المناسك.

وورد في بعض الأحاديث الضعيفة السند: أن إبليس عرض له هنالك أي

يوسوس له ويشغله عن أداء المناسك فكان يرميه كل مرة فيخنس ثم يعود. روى

الطبراني والحاكم و البيهقي عن ابن عباس (لما أتى خليل الله المناسك عرض له

الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبعة حصيات حتى ساخ في الأرض ثم عرض له

عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض) ثم ذكر الجمرة

الثالثة كذلك.

وروي عن محمد بن إسحاق قال: (لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء

البيت الحرام جاء جبريل عليه السلام فقال له: طف به سبعًا) ثم ساق الحديث

وفيه: (أنه لما دخل منى وهبط من العقبة تمثل له إبليس عند جمرة العقبة فقال له

جبريل: كبر وارمه سبع حصيات، فرماه فغاب عنه، ثم برز له عند الجمرة

الوسطى فقال له جبريل: كبر وارمه فرماه إبراهيم سبع حصيات، ثم برز له عند

الجمرة السفلى فقال له جبريل: كبر وارمه، فرماه سبع حصيات مثل حصى

الخذف، فغاب عنه إبليس، ثم مضى إبراهيم في حجه) الحديث.

وليس تمثل الشيطان للأنبياء ولا ظهوره لهم بغريب في قصصهم ففي الإنجيل

المعتمد عند النصارى أنه ظهر للمسيح عليه السلام وجربه تجارب طويلة.

فإذا صح أن إبليس عرض لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في أثناء أداء

مناسكه بظهور ذاته أو مثاله، أو بمجرد التصدي للوسوسة والشغل عن ذكر الله

تعالى فلا غرابة في قذفه ورجمه كما يطرد الكلب، فمن المعروف في الأخلاق

والطباع أن يأتي الإنسان بعمل عضوي يظهر به كراهته لما يعرض له حتى من

الخواطر القبيحة ودفعه عنه وبراءته منه، فأخذ الحصيات ورميها مع تكبير الله

تعالى من هذا القبيل، وإن حركة اليد المشيرة إلى البعد لتفيد في دفع الخواطر

الشاغلة للقلب .. والرجم بالحجارة بقصد الدلالة على السخط والتبري أو الإهانة

معهود من الناس، وله شواهد عند الأمم كرجم بني إسرائيل مع يشوع (النبي

يوشع عليه السلام) لمجان بن زراح وأهله وماله من ناطق وصامت (كما في7: 24

و25) من سفر يشوع، وكرجم النصارى لشجرة التين التي لعنها المسيح، ورجم

العرب في الجاهلية لقبر أبي رغال في المغمس بين مكة و الطائف؛ لأنه كان يقود

جيش أبرهة الحبشي إلى مكة لأجل هدم الكعبة حرسها الله تعالى.

والعمدة في رمي الجمار ما تقدم من قصد التعبد لله تعالى وحده، بما لا حظ

للنفس فيه اتباعًا لإبراهيم أقدم رسل الله الذين بقيت آثارهم في الأرض، ومحمد

خاتم رسل الله ومكمل دينه ومتممه الذي حفظ دينه كله في الأرض، صلى الله

عليهم أجمعين.

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في بيان أسرار الحج من الإحياء: وأما

رمي الجمار فليقصد به الانقياد للأمر إظهارًا للرق والعبودية، وانتهاضًا لمجرد

الامتثال، من غير حظ للعقل والنفس في ذلك؛ ثم ليقصد به التشبه بإبراهيم عليه

السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه

شبهة أو يفتنه بمعصية فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طردًا له وقطعًا لأمله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير