[رسالة (استخراج الجدال من القرآن الكريم) لابن رجب الحنبلي]
ـ[محمد أبو أحمد]ــــــــ[20 - 12 - 04, 08:41 م]ـ
استخراج الجدال من القرآن الكريم
لابن رجب الحنبلي
((يتحدث عن الجدال والحجة، وأول من سن الجدل والخلاف، وجدال الأنبياء عليهم السلام، مع ذكر الأدلة على وحدانية الخالق عز وجل، ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم)).
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ يسرْ وأعنْ يا كريمُ
مقدمة المؤلف
قال الشيخ الإمام ناصح الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الأنصاري ابن الحنبلي:
الحمد لله الحاوي كتابه أنواع العلوم، الدالَّ أمره على الموجود والمعدوم، المشرِّفُ خطابه لذوي العقول والحلوم، الضارب الأمثال لأرباب الألباب والفهوم، القاضي بالحق والفاصل بين الظالم والمظلوم يوم اجتماع الخصوم، مبرم الأمور بقضاءٍ محتومٍ، منزل الماءَ بقدرٍ معلومٍ، ومعلم الإنسان البيان في الأمر المظنون والحكم المجزوم، شارع السبيل المأمون من الكتاب المصون على لسان النبي المعصوم، أحمده حمداً غير منقوص ولا مهضوم، وأؤمنُ به إيماناً غير مظنونٍ ولا موهومٍ، وأشهد أن لاَّ إله إلا اللهُ وحده لا شريك له شهادةً تقي حر نار السموم، وتفي تكفير ذنب المأثوم، وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسولُه الحاكم بشرعه على كل حاكم من البرية ومحكوم، المفضل جمعه على كل مفردٍ من الخلق وملموم، صلى اللهُ عليهِ وعلى آله وأصحابه الذين لا تحصى فضائلهم بمنثورٍ ولا منظومٍ، ولا تُجهلُ مآثرهم إلى يوم الوقت المعلوم.
وبعد،
فإن الفقهاءَ رضي الله عنهم أرباب النظر والمحرزين أدلة العبر، قد ألَّفُوا في مذاهب الجدال ما يتضمن تحرير الاستدلال وتقرير الجواب والسؤال ألاَّ أن الأمر الاصطلاحي منقوض بمثله وربما نُسِخَ اصطلاحاً اصطلاح بوعره عند قومٍ أو بسهله، والمذهب الذي يرسخ ولا ينسخُ ويعلو فرعه ويشمخ ما كان مجناه من حبات القلوب، وسُقْيَاهُ من الشراب الطهور المنقى من العيوب، الكاشف لأسرار الغيوب (لا يَأْتِيهِ الباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تنزيلٌ مِنْ حَكيمٍ حَميد).
وقد استخرت الله تعالى في استنباط طريقٍ من طرقه، وإسكان بعض القاصدين لهذا الفن غرفةً من غرفهِ، وهذا الكتاب يشتمل على ثمانية أبواب، لكل بابٍ فضل في فصل الخطاب، ولكنه وقف على ذوي الحلوم والألباب، ومشارع هذه الأبواب من الكتاب المعصوم من الزلل والارتياب.
الباب الأول: في ذكر الجدل في الكتاب العزيز والممدوح منه والمذموم.
الباب الثاني: أول من سن الجدال.
الباب الثالث: جدال الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه للأمم.
الباب الرابع: ذكر الأدلة وأنواعها على وجود الصانع سبحانه.
الباب الخامس: ذكر الأدلة على أنه واحدٌ.
الباب السادس: ذكر أدلة البعث.
الباب السابع: ذكر الأدلة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن العزيز.
الباب الثامن: في السؤال والجواب ونكتٍ من الجدال فهذه ثمانية أبوابٍ، وعلى توفيق الله سبحانه وتعالى الإحالة بالصواب.
الباب الأول: في ذكر الجدل والحُجَّة
في ذكر الجدل والحجة:
اعلم أن الله سبحانه ذكر لفظة الجدل وما تصرف منها في كتابه العزيز في تسعة وعشرين موضعاً- ولفظه الحجة وما تصرف منها في سبعة وعشرين موضعاً ولفظة السلطان أيضاً في ثلاثةٍ وثلاثين موضعاً الجميع المراد به الحجةُ سوى موضعٍ واحدٍ في الحاقة:
(هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانْيَةْ) وقيل: المراد به الحجة، فأما الجدل فهو مذمومٌ في كل موضعٍ ذكر إلا في ثلاثة مواضع:
أحدها: في النحلِ: (ادعُ إلى سبيلِ ربٍّكَ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ وجادِلْهم بالتي هَي أحسن).
الموضعُ الثاني: في العنكبوتِ: (ولا تُجادِلُوا أهلَ الكتابِ إلاَّ بالتي هَي أحسنُ).
الموضعُ الثالثُ: في المجادلةِ: (قَدْ سمِعَ اللهُ قولَ الّتي تجادلكَ في زَوْجِها)، وهذه المرأةُ هي خولةُ بنتُ ثعلبةَ الأنصارية، كانت تحتَ زوجِها أوسِ بنِ الصامتِ والقصةُ مشهورةُ.
¥