تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال تعالى: (ولقدْ أرسلْنَا نوحاً إلى قومِهِ إني لكُم نذيرٌ مبينٌ. أن لا تعبُدُوا إلاَّ الله إني أخَافُ عليكُم عَذَابَ يومٍ أليم. فقال الملأ الذينَ كفرُوا مِنْ قومِهِ ما نراكَ إلا بَشَراً مِثْلَنَا وما نَرَاكَ اتِّبعكَ إلاَّ الذينَ هُمْ أراذِلُنَا باديَ الرأي وما نَرَى لكُم عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بلْ نَظُنٌّكُم كاذبين) أجابهم نوح عليه السلام بالحجةِ العظمى فقال: (يا قومِ أرأيتُم إنْ كنتُ على بيِّنةٍ من ربِّي) إلى هنا هي الحجة العظمى، وهذه الحجة العظمى هي التي أضافها الله عز وجل إلى نفسه في قوله: (وتلكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبراهيمَ على قومِهِ) وقد أشبعنا القول فيها في كتاب الحجة العظمى. (قالوا يَا نوحُ قد جادلْتَنَا فأكثرتَ جدالَنَا فأتِنا بِمَا تَعِدُنَا إنْ كُنْتَ مِنَ الصادِقين).

جدالُ إبراهيمَ وحجاجه وله ثلاثة مقامات: الأول: مع نفسه. الثاني: مع أبيه. الثالث: مع نمرود وقومه.

الأول: رَأَى كوكباً قالَ هذا ربي إلى آخر القصة. وجه ُاستدلاله أنه رأى إنارةَ الكوكب وحسنهُ وعُلوّ مكانه ولم ير قبله مثله، فقال: هذا ربي، بناء على أن الرب لا ينبغي أن يكون له مثل، فلما أفل أدرك نقصهُ وعيبه؛ لان الأفول تغير، والتغيرُ حدوثُ والكامل لا يجوز عليه الحدوث؛ لأنه صانع الحدوث وطرد القياس في الإثبات والنفي على باقي الكواكب بالاعتبار الأول، ومن حيث علم أنها مكونة مصنوعة علم أنها لا بد لها من صانع هو أكملُ منها فقالَ: (وَجَّهْتُ وَجهيَ للذي فَطَرَ السمواتِ والأرضَ) ليدخل في ذلك الكواكب التي اعترضته في طريق الاستدلال.

المقام الثاني مع أبيه: قال الله تعالى: (وَاذْكُر في الكتابِ إبراهيمَ إنَّهُ كان صدِّيقاً نبياً. إذ قالَ لأبيهِ يا أبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَالا يسمعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عنكَ شيئاً. يا أبتِ إنِّي قدْ جاءني مِنَ العلمِ ما لم يأتكَ فاتَّبِعْني أهدكَ صراطاً سَوِياً. يا أبتِ لا تعبدِ الشيطانَ إنَّ الشيطانَ كان للرحمنِ عَصِياً. يا أبتِ إني أخافُ أنْ يَمسَّكَ عذابُ مِنَ الرحمنِ فتكونَ للشيطانِ وَلِيّاً. قال أراغِبٌ أنت عَنْ آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجُمَنَّكَ واهجُرني مَلِيّاً). فكان جواب أبيهِ جوابَ جاهلٍ، لانه قابله على نُصحه لهُ بالرجمِ والهجر أشبه جواب قومه، وما كانَ جوابَ قومه إلا أن (قَالُوا حَرِّقُوُه وانصُروا آلهتكم).

المقام الثالث: مع النمرودِ وقومه وهوَ قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إلى الذي حاجَّ إبراهيمَ في رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ الُلهُ الملكَ إذ قَالَ إبراهيمُ رَبِّيَ الذي يُحي ويميتُ قالَ أنا أحيي وأميتُ قالَ إبراهيمُ فإنَّ الله يأتي بالشمسِ مِنَ المشْرِقِ فأتِ بها من المغْربِ فَبُهِتَ الذي كَفَرَ واللهُ لا يهدي القومَ الظالمينَ). فالصادرُ مْن خَصْمه معارضة إلا أنها فاسدة، لانَّ حقيقةَ الإحياء والإماتة التي فسرها خصمه غير الذي قَصده إبراهيم، فلا يخلو حال نمرود إما أن يكونَ ما فهم حقيقة الإحياء والإماتة، أو فهم إلا أنه قصد المصادمة والمباهتة، وكلاهما يوجب العدولَ إلى دليلٍ يفضحُ معارضته ويقطعُ حجاجه، ومتى كان الخصم بهذه الصفة جاز لخصمه الانتقال إلى دليلٍ آخر أقرب إلى الفهم وأفلج للحجة، وسيأتي نظيره في قصة موسى عليه السلام، قال الله تعالى: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحَاجونِّي في اللهِ وَقَدْ هَدَانِ) وذكر الحجة العظمى فقال: (وَكَيْفَ أَخَافُ) إلى قوله: (فأيُّ الفَريقينِ أَحَقُّ بالأمْنِ) وقد شرحنا هذا في كتاب الحجة العظمى.

فإن قيل ما الحكمة أنه جادل الملك بالإحياء والإماتة والإتيان بالشمس من المشرق وكل ذلك يمكن دعوى المعارضة له والكلام عليه، ولم يدعه بالحجة العظمى وجادل قومه بالحجة العظمى، فالجواب أن الملك كان يدَّعي الربوبية، فلا يقال انه لا يخلو إما أن يكون لنا إله أو لا بخلاف حال قومه فإنَّهم لم يدَّعُوا ربوبيةً. لام عليه، ولم يدعه بالحجة العظمى وجادل قومه بالحجة العظمى، فالجواب أن الملك كان يدَّعي الربوبية، فلا يقال انه لا يخلو إما أن يكون لنا إله أو لا بخلاف حال قومه فإنَّهم لم يدَّعُوا ربوبيةً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير