تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومثله (أوَ لم يَرَ الإنسانُ أنَّا خلقناهُ من نطفةٍ فإذا هو خصيمٌ مبينٌ) المرادُ ها هنا أبي بن خلفٍ. وقيل العاص بن وائلٍ. ثم ذكر سبحانه وتعالى شبهةً فقال: (وضربَ لنا مثلاً ونسيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحييْ العظامَ وهيَ رميمٌ) فجاء الجواب من وجهين:

أحدهما: جدلاً يتضمن فساد شبهته من جهة أنه استبعد الإعادة والحياة في عظام وحشٍ وترك نفسه، وذلك أهم من إحياء الحيوان البهيم، لأن إيجاد الحيوان البهيم كان لأجل الإنسان.

الوجه الثاني: (قلْ يحييها الذي أنشأها أوَّل مَرَّةٍ) إلى آخر السورة فإن إيجاد المبادئ أصعب في مطرد العرف وحكم العقل من رد شيءٍ كان إلى ما كان على ما لا يخفى وقوله سبحانه: (الذي جَعَلَ لكمْ مِنَ الشجرِ الأخضرِ ناراً) معناه: إيجاد شيءٍ مما ينافبه وينافره، فلا بد من قوةٍ من خارج تغلب على المتنافرين المتنافيين بفعل ذلك، ثم قال سبحانه: (أوَ ليسَ الذي خلقَ السمواتِ والأرضَ بقادرٍ على أن يَخْلُقَ مثلَهُمْ بلَى وهو الخلاَّقُ العليمُ) معناه: من قدر على خلق السموات والأرض قدر على خلق هذا النوع اللطيف والشكل الضعيف، وإذا قدر على إيجاده قدر على رده بعد نفاده. ثم أخبر سبحانه عن نفسه بماذا يخلق الأشياء وتكون فقال: (إنَّما أمْرُهُ إذا أرادَ شيئاً أنْ يقولَ لَهُ كُنْ فيكونُ)، وفي موضع آخر (إنَّما قولُنا لشيءٍ إذا أردناهُ أنْ نقولَ لَهُ كُنْ فيكونُ)، وعند ذلك سبح نفسه فقال: (فسُبحانَ الذي بيدِهِ ملكوتُ كُلِّ شيءٍ وإليهِ تُرْجَعُونَ)، فعم الموجود والمعدوم والإبداءَ والإعادة وجعل الرجوع خاتمة الكلام؛ لأن الإنكار له والأدلة أقيمت عليه.

ومن أدلة البعث في قوله سبحانه: (فسيقولونَ مَنْ يُعِيدُنَا قل الذي فطرَكُمْ أَوَّل مَرَّةٍ).

ومن أدلة البعث قوله: (وهوَ الذي يَبدأَ الخلقَ ثم يعيدُهُ وهو أهونُ عليهِ ولَهُ المثَلُ الأعلى في السمواتَ والأرضِ وهُوَ العزيز الحكيم)، وإنما قالَ سبحانه: (وَهُوَ أهَونُ عَلَيْهِ (ضرب مثلٍ، لأن المقدورات عندنا متفاوتة في العسر واليسر باختلاف القدرة التي تزيد وتنقص في حقنا، ولما كان إيجاد شيءٍ مستحيلاً منا، وإيجاد شيءٍ من شيءٍ ممكناً، فاستعار له كلمة "أفعل" ضرب ذلك مثلاً. ولما استحال في حقه العجز والضعف عن إيجاد شيءٍ لا من شيءٍ قال: (وَلَهُ المثلُ الأعْلَى) وذلك مطردٌ في سائر صفاته سبحانه من العلم والقدرة والحياة والرحمة والرضا والغضب، وكل صفةٍ وصف بها الإنسان من ذلك مثاله قولنا عالم، والواحد منا عالم، ولكن يطلق على المخلوق باعتبار معلومٍ ما، وإن علمه من جهة جهله من جهاتٍ، ثم عِلْمُهُ إما بطريق الخبر والنظر أو الاضطرار، والله سبحانه عالم بما كان وما يكون على وجهٍ لا يخفى عليه شيءٌ ولا يداخله الشك ولا الذهول ولا النسيان ولا يتقدم بزمانٍ ولا مكانٍ ولا نظيرٍ ولا حيزٍ ولا اضطرار. قال تعالى: (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ)، فهذا معنى قوله: (وَلَهُ المثلُ الأعْلَى).

ومن أدلة البعث قوله تعالى: (قُلْ سيرُوا في الأرض فانظُروا كيفَ بدأ الخلقَ ثم اللهُ يُنْشِىءُ النشأَةَ الآخِرَةَ إنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قديرٌ).

ومن أدلة البعث قوله تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أنكَ تَرَى الأرض خاشعة فإذا أنزلْنَا عليْها الماءَ اهتزَّتْ وَرَبَتْ إنَّ الذي أحْيَاهَا لَمُحي الموتىَ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ قديرٌ).

ومن أدلة البعث في سورة الواقعة قوله: (أفرأيتُم ما تمنون) (أفرأيتُم ما تحرثُون) (أفرأيتم الماءَ الذي تَشْربون) (أفرأيتم النار التي تورونَ) ووجه دلالة النار على البعث أن النار تكمن في الشجر والحجر ثم تظهر بالقدح، وتشب بالنفخ، فالحجر والشجر كالقبر، والقدح والنفخ كالنفخة في الصور، وإنما ذكر الله سبحانه في هذه السورة هذه الأدلة الأربعة متوالية؛ لأنه بدأَ السورة بالواقعة وهي القيامة وقال: (ليسَ لوقعتِهَا كاذبةٌ. خافضةٌ رافعةٌ)، وإن الجاحدين كما قال كانوا يقولون: (قُلْ إنَّ الأولينَ والآخرينَ. لمجموعون إلى ميقاتِ يومٍ معلومٍ).

ومن أدلة البعث في سورة الأحقاف: (أوَ لمْ يَرَوْا أنَّ اللهَ الذي خلقَ السمواتِ والأرض ولم يعيَ بخلقهِنَّ بقادرٍ عَلَى أَنْ يُحْييَ الموتىَ بَلَى إنَّهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ قديرٌ).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير