[الموسوعات الحديثية]
ـ[ Aboibrahim] ــــــــ[17 - 01 - 05, 09:57 م]ـ
نظرات في جهود العلماء في تدوين السنة النبوية
أحمد بن عبد الرحمن الصويان
من حكمة الله ـ تعالى ـ أنّه رضي الإسلام ديناً خاتماً لجميع الشرائع، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فأكمل الله ـ عز وجل ـ لنا الدين وأتم علينا النعمة، قال ـ تعالى ـ: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً)) [المائدة: 3].
ومن إتمام النعمة أن الله ـ تعالى ـ تكفل بحفظ مصدر هذا الدين وينبوعه الكريم، فقال ـ عز وجل ـ: ((إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر: 9]، وتضمن ذلك حفظ سنة سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-، فائتمن الله ـ عز وجل ـ على نقلها صحابة نبيه الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، أطهر الناس قلوباً، وأصفاهم عقولاً، وأفصحهم لساناً، وأسلمهم منهجاً، فأدوها حق الأداء، كما تحملوها حق التحمل، ورعوها حق الرعاية .. ثم تناقلها الثقات الأثبات من بعدهم جيلاً بعد جيل، بعناية فائقة وحرص كبير.
وقد تضافرت جهود السلف الصالح ـ رضي الله عنهم ـ في خدمة حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- رواية ودراية، وتركوا لنا تراثاً ضخماً غزيراً في عشرات المصنفات، حتى أصبحت هذه الأمة تمتلك بحق أغنى مورد للعلم عرفته البشرية باختلاف مللها ونحلها.
وفي هذه المقالة سأبرز بعون الله ـ تعالى ـ بعض جهود أولئك السلف في تدوين السنة من خلال التعريف الموجز بأشهر الموسوعات الحديثية.
وأقصد بالموسوعات الحديثية: (تلك المصنفات التي جمعت عدداً كبيراً من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم)، ويخرج من هذا التعريف: المصنفات التي جمعت عدداً يسيراً من الأحاديث النبوية كالسنن الأربعة ونحوها.
أولاً: الموسوعات الحديثية الأصيلة:
ويقصد بالموسوعات الأصيلة: (المصنفات التي يروي فيها المصنف الأحاديث النبوية بإسناده إلى النبي) ومنها:
1 - مصنّف عبد الرزاق بن همام الصنعاني (126 ـ 211 هـ):
وهو أحد الكتب الجليلة التي وصلت إلينا، وصفه الذهبي بأنه: (خزانة علم) (1). وصدق ـ رحمه الله ـ، فالمصنف مليء بكنوز العلم والمعرفة، وقد رتبه عبد الرزاق على الأبواب الفقهية، فبدأ بكتاب الطهارة، ثم كتاب الحيض، ثم كتاب الصلاة .. وهكذا حتى ختمه بكتاب الجامع. وتحت كل كتاب يوجد عدد من الأبواب التي تضم مجموعة من الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة.
طبع الكتاب لأول مرة في سنة (1392هـ) بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي في أحد عشر مجلداً، وبلغ عدد أحاديثه حسب ترقيم المحقق (21033) حديثاً، ويحتوي الكتاب على أحاديث مكررة كثيرة (2).
وقد عمل الباحث يوسف بن محمد صديق على استخراج زوائد مصنف عبد الرزاق على الكتب الستة في رسالة علمية لنيل شهادة الدكتوراه، وبلغ عدد الزوائد: أربعة عشر ألف حديث زائد (3).
وهذه نسبة عالية جداً، ولكن خلال تتبعي لهذه الزوائد تبيّن لي أن 80% منها تقريباً أحاديث موقوفة ومقطوعة.
وبالجملة: فإن المصنّف كتاب نفيس، وسفر عظيم يحوي من الكنوز ما لا حصر له ولعل من أهم مميزاته علو إسناده، وكونه مرجعاً أساساً لكثير من كتب السنة المتأخرة. ولكنه مع ذلك يحوي عدداً كبيراً من الأحاديث الضعيفة، بل والموضوعة أحياناً.
2 - مصنّف أبي بكر بن أبي شيبة (159 ـ 235هـ):
وهو من أجلّ كتب ابن أبي شيبة، وأعلاها منزلة ومقداراً، امتدحه ابن كثير وامتدح مؤلفه بقوله: (أبو بكر بن أبي شيبة أحد الأعلام وأئمة الإسلام، وصاحب المصنّف الذي لم يُصنّف أحد مثله قط، لا قبله ولا بعده) (4). ووصفه الذهبي بقوله: (سيّد الحفاظ، صاحب الكتب الكبار: المسند والمصنف والتفسير) (5).
وقد شهد لابن أبي شيبة بجودة التأليف وإتقانه عدد من الأئمة، منهم أبو عبيد القاسم ابن سلام حينما قال: (ربانيو الحديث أربعة: فأعلمهم بالحلال والحرام: أحمد بن حنبل، وأحسنهم سياقة للحديث وأداء: علي بن المديني، وأحسنهم وضعاً لكتاب: أبو بكر بن أبي شيبة، وأعلمهم بصحيح الحديث من سقيمه: يحيى بن معين) (6).
وقال الرامهرمزي: (وتفرد بالكوفة أبو بكر بن أبي شيبة بتكثير الأبواب وجودة الترتيب وحسن التأليف) (7).
¥