وهناك أمارات أخرى غير المذكورة آنفاً، وضابطها مراجعة أهل المعرفة بنصوص الحديث النبوى، ((ممن تضلع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بدمه ولحمه، وصار له فيها ملكة واختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهديه فيما يأمر به، وينهى عنه، ويدعو إليه، ويحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة)) (1).
ولله در الشيخ العلامة محمد على آدم الأثيوبى، حيث يقول فى ((تذكرته)):
الحمد لله الذى قد يسرا لحفظ دينه حُماةً كُبرا
فقد نفوا تحريف غالٍ قد بغى وأبطلوا انتحال مبطلٍ طغى
ورثةُ الرسْل عليهم السلامْ كما به جاء الحديث بالتمامْ
فهم عن الأرض يزيلون العمى دلائلُ الهدى كنجمٍ فى السما
ــــــــ
(1) راجع ((المنار المنيف فى معرفة الموضوع والضعيف)) للإمام العلامة ابن القيم
وهذا حين الشروع فى بيان الأحاديث الباطلة والمنكرة والموضوعة فى الحجامة:
(1) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: يَا نَافِعُ! قَدْ تَبَيَّغَ بِيَ الدَّمُ، فَالْتَمِسْ لِي حَجَّامًا، وَاجْعَلْهُ رَفِيقًا إِنِ اسْتَطَعْتَ، وَلا تَجْعَلْهُ شَيْخًا كَبِيرًا، وَلا صَبِيًّا صَغِيرًا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ أَمْثَلُ، وَفِيهِ شِفَاءٌ وَبَرَكَةٌ، وَتَزِيدُ فِي الْعَقْلِ وَفِي الْحِفْظِ، فَاحْتَجِمُوا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَاجْتَنِبُوا الْحِجَامَةَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ تَحَرِّيًا، وَاحْتَجِمُوا يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالثُّلاثَاءِ، فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي عَافَى اللهُ فِيهِ أَيُّوبَ مِنَ الْبَلاءِ، وَضَرَبَهُ بِالْبَلاءِ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، فَإِنَّهُ لا يَبْدُو جُذَامٌ وَلا بَرَصٌ إِلا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، أَوْ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ)).
منكر. لا يصح رفعه، وله طريقان:
[الطريق الأولى] نافع عنه: أخرجه الحاكم (4/ 235) مستوفٍ، والإسماعيلى ((معجم شيوخه)) (2/ 676) مختصراً، وعنه الخطيب ((تاريخ بغداد)) (10/ 38) ثلاثتهم من طريق عثمان بن سعيد الدارمى ثنا عبد الله بن صالح المصرى ثنا عطاف بن خالد عن نافع أن عبد الله بن عمر قال له: يا نافع تبيغ بي الدم، فأتني بحجام، لا يكون شيخا كبيرا، ولا غلاما صغيرا، فإني سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحجامة على الريق أمثل، وفيها شفاء وبركة ... )) الحديث بنحوه.
قلت: هذا الإسناد أمثل أسانيد هذا الحديث، رجاله ثقات كلهم غير عطاف بن خالد المخزومى أبا صفوان المدنى، وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. وقال أبو زرعة: ليس به بأس. وقال أبو حاتم الرازى: صالح ليس بذاك. وقال النسائى: ليس بالقوى. غير أن مالك بن أنس إمام أئمة الجرح والتعديل كان شديد الحمل عليه، وكان عبد الرحمن بن مهدى لا يرضى عطافاً، فلقد كان ينفرد عن نافع وزيد بن أسلم بمناكير لا يتابع عليها.
قال مطرف بن عبد الله المدني: قال لي مالك بن أنس: عطاف يحدث؟، قلت: نعم، فأعظم ذلك إعظاما شديداً، ثم قال: لقد أدركت أناسا ثقات يحدثون ما يؤخذ عنهم، قلت: كيف وهم ثقات؟، قال: مخافة الزلل.وقال عبد الله بن أحمد بن شبويه عن مطرف بن عبد الله: سمعت مالك بن أنس يقول: ويكتب عن مثل عطاف بن خالد!، لقد أدركت في هذا المسجد سبعين شيخا كلهم خير من عطاف ما كتبت عن أحد منهم، وإنما يكتب العلم عن قوم قد حوى فيهم العلم مثل عبيد الله بن عمر وأشباهه.
ولهذا قال ابن حبان ((المجروحين)) (2/ 193): ((العطاف بن خالد بن عبد الله القرشي، أبو صفوان المخزومي. يروي عن نافع وغيره من الثقات مالا يشبه حديثهم، وأحسبه كان يؤتي ذلك من سوء حفظه، فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته إلا فيما وافق الثقات. كان مالك بن أنس لا يرضاه)).
وهذا الحديث من مناكيره وإن وثق فى ذات أمره، إذ لا تستغرب رواية الثقات للمناكير، ومن علامة المنكر فى حديث الصدوق مخالفته للأوثق منه، وقد خالف عطافاً: أيوب بن أبى تميمة السختيانى ـ وهو من أوثق الناس فى نافع ـ، فأوقفه على ابن عمر ولم يرفعه، وهو الصواب.
¥