تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إلا بتوسطِ وسيطٍ، وفي هذا من التنقص ما فيه.

وتجدهم يتحببون لهذا المقبور بأنواع القُرب: فمن مهريقٍ الدمَ باسمه، ومن ناذرٍ له، ومن طائفٍ حول قبره يتقرب بالسعي والطواف لنيل شفاعته.

فهذان النوعان من الشرك الأكبر قد فَشَيا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد أشرتُ أثناء هذه الورقاتِ إلى أن أول من أحدث الشرك الأكبر في المسلمين من هذه الأمة هم الباطنيون وعلى رأسهم "إخوانُ الصفا" وتولى كبر ذلك الدولة العبيدية.

وكثر انخداعُ الناسِ وخاصة الجهال بها، ووجد أناسُ آخرون في ذلك نعم المصدرُ لاكتساب معايشهم، وراج ذلك أكثر ما راج في الصوفية لكثرة المتعبدين بجهلٍ فيهم، فصاروا لُعْبةً وسلوى لأولئك، يتحكمون فيهم، لأجل الدنيا.

ثم شاع بعد القرن الخامس ذاك في الناس وكثر، فعَمَّ وطَمَّ وقَلَّ أن سَلِمَ منه بلدٌ، وفي كل قرن يعيش أولياء وكل من مات قُبَّبَ على قبره، واتُّخِذَ مزاراً، يستشفعُ به، ويسأل ويدعى.

فكثرت القبور، وكثرت العطايا للقبور، فكثر السدنةُ والمنتفعون، والمالُ فتنة، والجاه فتنة، والسيادة فتنة.

وأحبَّ من لم يتبع التوحيد أن يعظمَه الناسُ في حياته، فمن مقبلٍ للأيدي والأرجل، ومن متمسحٍ بالثياب خاضعٍ بالقول، والقلب والجوارح.

وقد رأيت مرة رجلاً يُظَنُّ عالماً في المطافِ حول البيت العتيق وهو يدور مقهقهاً مع رفيقٍ له، ومن الناس من تمسح به وقَبَّلَ يده!

أي حالٍ تلك، واي قلوبٍ هاتيك القلوبُ التي تقهقه حول الكعبة المشرفة، ثم هم أولياءُ في زعمهم.

ووصفُ أحوال المنتسبين للإسلام اليوم يطولُ، ولكن الإيماءَ كافٍ، فالإطالةُ تضني، وقد جادلت يوماً

ببلدٍ إفريقي أحد المفتونين من كبار العلماء المُحَبَّذين لعبادة القبور والسدنةِ حولها في حالهم، ومعنى

العبادة، ومفهوم الشهادتين، فقال: أنا أعلم أنكم على الحق ولكن (سيب) الناس تعيش!

إن هذا هو الواقع فالمسألةُ ليست نصرةً للحق بدلائله، ولكنها سيادةٌ وجاهٌ وسمعةٌ وأموالٌ ثم يبحث لتثبيتِ هذا المقرر سلفاً في الدلائل الشرعية وإن كانت أحاديث مكذوبة، وفي الدلائل العقلية وإن كانت أوهى من خيوط العناكب.

وإن المحافظة على المجد والسيادة مما يحرص عليها ناصروا المذاهب البدعية، يورثونها أولادهم لحبهم أن يدعوا الورثة أغنياء! وإذا هلك صُيَّر مدفنه ضريحاً إن استطيعَ وتوجَّه قلوبُ الناس إليه، فيزداد الخليفةُ جاهاً وطاعةً ومالاً.

وفي كل صِقْعٍ من الأرض وُجِدَ فيه عبادُ القبور تجد فيه غالباً طائفةً على هدي النبي محمدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

سائرة لا يخدعهم تسيُّدٌ، ولا تؤثرُ فيهم شبهةٌ، وأولئك غرباء في كثير من البلاد يدلون الناس على السنة، ويهدونهم إلى التوحيد، وصَرْفِ القلوب إلى الله، وتعظيمه وإجلاله، والهيبة والخوف منه، ورجاءِ

ما عنده، يعلقون القلوب بخالفهم وحده، لا بأحدٍ من الخلق، فلا يحبون إلا لله، ولا يبغضون إلا لله،

ولا يعبدون إلا إياه، همهم دعوة الناس إلى توحيد ربهم في الأعمال: أعمال القلوب وأعمال الجوارح.

يسمون أنفسهم أتباع السلف الصالح، وأكْرِمْ به من اتباع مقابلةً باتباع غيرهم للخلف الطالح، وأسْفِلْ به من اتباع.

ويسميهم أعداؤهم: الوهابية أو المتطرفة، ويسعى أعداؤهم في نشر الكتب الناقضة دعوة الشيخ المصلح محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، رداً عليهم، وعلى أتباع الدعوة السلفية الخالصة.

وتتخذ هذه الردود أشكالاً تتناسبُ البلدَ المنشور فيه الرد، فبينما يُصَرَّحُ بذلك في بلدٍ، يُسَرُّ به في بلدٍ ويأتي تلويحاً لا تصريحاً.

والحملةُ واحدة، والطريق قديمة سابلةٌ، ولها وُرَّادٌ، ودعاةٌ على جنباتها، اذا صَرَخَ داعٍ تجاوبَ الجميعُ بالصَرُّاخ.

والطريقُ ليست علميةً كما قد يُظَن، ولكنها سبيلٌ غايتُها التمكين لدعاة الباطلِ في أرضِهم، وأرضِ غيرهم. انتهى

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير