الوجه الثاني: أن أهل العلم تصدوا لمن انتقد على البخاري ومسلم، وردوا عليه حديثاً حديثاً، وبهذا يزول الانتقاد على البخاري ومسلم، لكنه لا شك أنه قد يقع الوهم من بعض الرواة، في البخاري ومسلم، لكن هذا لا يقدح في نقل البخاري ومسلم له، لأن الوهم لا يكاد يسلم منه أحد، وليس من شرط عدالة الراوي أن لا يخطىء أبداً، لأن هذا غير موجود.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
والَحسَنُ المعروفُ طُرْقاً وغَدَتْ ** رجَالُهُ لا كالصحيحِ اشتَهَرَتْ
انتقل المؤلف إلى تعريف الحسن، والحسن في المنظومة هو: القسم الثاني من أقسام الحديث.
ويقول في تعريفه (المعروف طرقاً) يعني المعروفة طرقه، بحيث يكون معلوماً أن هذا الراوي يروي عن أهل البصرة، وهذا عن أهل الكوفة، وهذا عن أهل الشام، وهذا عن أهل مصر، وهذا عن أهل الحجاز، وما أشبه ذلك.
قوله: (وغدت رجاله لا كالصحيح) يعني أن رجاله أخف من رجال الصحيح، ولهذا قال (لا كالصحيح اشتهرت) إذاً يختلف الحسن عن الصحيح، بأن رجاله ليسوا كرجال الحديث الصحيح، والمراد أنهم ليسوا كرجال الحديث الصحيح في الضبط.
ولهذا قال العلماء المتأخرون الذين بسطوا هذا الفن، كالحافظ ابن حجر رحمه الله: إن الفرق بين الحديث الصحيح والحديث الحسن، فرق واحد وهو بدل أن تقول في الصحيح تامُّ الضبط، قل في الحسن: خفيف الضبط، وإلا فبقية الشروط الموجودة في الصحيح موجودة في الحسن.
وعلى هذا فتعريف الحسن هو: ما رواه عدلٌ، خفيف الضبط، بسند متصل، وخلا من الشذوذ، والعلة القادحة.
قال المؤلف رحمه الله:
وكلُّ ما عَن رُتَبةِ الُحسنِ قَصْر ** فهَوَ الضَّعيفُ وهوَ أقْساماً كُثُرْ
الحديث الضعيف هو القسم الثالث في النظم، وهو: ما خلا عن رتبة الحديث الحسن.
ومعلوم أنه إذا خلا عن رتبة الحديث الحسن، فقد خلا عن رتبة الصحة، وحينئذ نقول: الحديث الضعيف: ما لم تتوافر فيه شروط الصحة والُحسن، أي ما لم يكن صحيحاً ولا حسناً، فلو رواه شخص عدل لكن ضبطه ضعيف، وليس بخفيف الضبط، فإن هذا الحديث يكون ضعيفاً، وإذا رواه بسند منقطع يكون ضعيفاً أيضاً؛ وهلمَّ جرّا.
وقد ذكر المؤلف الان ثلاثة أقسام من أقسام الحديث وهي:
الصحيح.
الحسن.
الضعيف.
لكن الواقع أن الأقسام خمسة على ما حرره ابن حجر وغيره:
1 - الصحيح لذاته.
2 - الصحيح لغيره.
3 - الحسن لذاته.
4 - الحسن لغيره.
5 - الضعيف.
فالصحيح لذاته: هو ما تقدم تعريفه.
والصحيح لغيره: هو الحسن إذا تعددت طرقه، وسُمي صحيحاً لغيره؛ لأنه إنما وصل إلى درجة الصحة من أجل تعدد الطرق.
فمثلاً: إذا جاءنا حديث له أربعة أسانيد، وكل إسناد منه فيه راوي خفيف الضبط، فنقول: الان يصل إلى درجة الصحة، وصار صحيحاً لغيره.
أما الحسن لذاته: فقد تقدم تعريفه وهو ما رواه عدل خفيف الضبط، بسند متصل، وخلا من الشذوذ، والعلة القادحة.
وأما الحسن لغيره: فهو الضعيف إذا تعددت طرقه، على وجه يجبر بعضها بعضاً، فإنه يكون حسناً لغيره، لماذا؟
لأننا لو نظرنا إلى كل إسناد على انفراده لم يصل إلى درجة الحسن، لكن باجتماع بعضها إلى بعض صار حسناً.
أما الضعيف فهو: ما ليس بصحيح ولا حسن.
وجميع هذه الأقسام مقبولة ما عدا الضعيف، وكلها حُجة ما عدا الضعيف.
وجميع هذه الأقسام يجوز نقله للناس والتحديث بها؛ لأنها كلها مقبولة، وحجة، ما عدا الضعيف، فلا يجوز نقله، أو التحدث به، إلا مبيناً ضعفه، لأن الذي ينقل الحديث الضعيف، بدون أن يبين ضعفه للناس، فهو أحد الكاذبين على النبي صلى الله عليه وسلّم، لما روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من حدث عني بحديث، يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين». وفي حديث آخر: «من كذب علّي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار».
إذاً فلا تجوز رواية الحديث الضعيف إلا بشرط واحد وهو أن يبين ضعفه للناس، فمثلاً إذا روى حديثاً ضعيفاً قال: رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلّم هذا الحديث وهو ضعيف.
واستنثنى بعض العلماء الأحاديث التي تُروى في الترغيب والترهيب، فأجازوا رواية الضعيف منها لكن بأربعة شروط:
1 - أن يكون الحديث في الترغيب والترهيب.
2 - ألا يكون الضعيف شديداً، فإن كان شديداً فلا تجوز روايته، ولو كان في الترغيب والترهيب.
¥