إذاً عرفنا ما هو الشاذ، وما هو الذي يقابله، وهناك مخالفة أخرى لم يذكرها المؤلف وهي: إذا كان المخالف غير ثقة فإن حديثه يسمى منكراً.
والمنكر هو: ما خالف فيه الضعيف الثقة، وهو أسوأ من الشاذ، لأن المنكر المخالفة مع الضعف، والشاذ المخالفة فيه مع الثقة.
ويقابل المنكر المعروف، إذاً فهي أربعة أقسام:
1 - المحفوظ.
2 - الشاذ.
3 - المنكر.
4 - المعروف.
فالشاذ هو: ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أرجح منه.
والمنكر هو: ما رواه الضعيف مخالفاً للثقة.
والمحفوظ هو: ما رواه الأرجح مخالفاً لثقة دونه، وهو مقابل للشاذ.
والمعروف هو: ما رواه الثقة مخالفاً للضعيف.
وقوله (والمقلوبُ قسمان تلا) هذا تكملة للبيت يعني تلا في الذكر الشاذُّ، لكن هي ليس لها معنى، وإنما هي تكملة للبيت فقط، والمقلوب ينقسم إلى قسمين ذكرها في البيت الذي بعده.
قال المؤلف رحمه الله:
إبْدالُ رَاوٍ مَا بِرَاوٍ قسْمُ ** وقَلْبُ إسنَادٍ لمتنٍ قِسْمُ
قوله (إبدال راوٍ ما براوٍ).
فـ (ما) هنا نكرة واصفة.
ومعنى نكرة واصفة أي أنك تقدر ما بـ (أي) والتقدير إبدال راوٍ أي راوٍ، و (ما) تأتي نكرة واصفة، وتأتي نكرة موصوفة كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ} ومثال النكرة الواصفة قول المؤلف (إبدال راوٍ ما).
والمقلوب ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: وهو ما ذكره المؤلف بقوله (إبدال راوٍ ما براوٍ قسمُ) وهو ما يُسمَّى بقلب الإسناد.
مثلاً: إذا قال: حدثني يوسف عن يعقوب، فيقلبُ الإسناد ويقول: حدثني يعقوب عن يوسف، وهذا أكثر ما يقعُ خطأ، إما لنسيان أو غيره، لأنه لا توجد فائدة في تعمد ذلك.
فإذا قال قائل ما الذي أعلمنا أن الإسناد مقلوب فقد يكون على الوضع الصحيح؟
فنقول: نعلم أنه مقلوب، إذا جاء من طريق آخر أوثق على خلاف ما هو عليه، أو جاء من نفس الراوي الذي قَلَبَهُ في حال شبابه وحفظه، يكون قد ضبطه وحدَّث به على الوضع الصحيح، وفي حال كِبَره ونسيانه، يحدِّثُ بالحديث ويقلب إسناده، ففي هذه الحالة نعرف أن الأول هو الصحيح، والثاني هو المقلوب.
مثاله: إذا روى هذا الحديث بهذا الإسناد الصحيح رجلان، أحدهما أوثق من الاخر، فيأتي الذي ليس بأوثق من صاحبه ويقلب الإسناد، بأن يجعل التلميذ شيخاً والشيخ تلميذاً، فإننا نحكم في هذا الحديث بأنه مقلوب عليه لأنه قلب السند.
ومثال آخر: هذا الحديث حدَّث به هذا الرجل في حال شبابه وحفظه على وجه، وحدَّث به بعد شيخوخته ونسيانه على وجهٍ آخر، فإننا نحكم على الثاني أنه مقلوب، وربما نطَّلع أيضاً على هذا من طريق آخر بحيث أننا نعرف أن الذي جعله تلميذاً هو الشيخ، لأنه تقدم في عصره بمعرفة التاريخ.
والمقلوب من قسم الضعيف، لأنه يدل على عدم ضبط الراوي.
القسم الثاني: وهو ما ذكره المؤلف بقوله (وقلب إسناد لمتن قسم) ويعني أن يُقلب إسناد المتن لمتن آخر.
مثاله: رجل روى حديثاً: من طريق زيد، عن عمرو، عن خالد، وحديثاً آخر: من طريق بكر، عن سعد، عن حاتم، فجعل الإسناد الثاني للحديث الأول، وجعل الإسناد الأول للحديث الثاني، فهذا يُسمَّى قلب إسناد المتن، والغالب أنه يقعُ عمداً للاختبار، أي لأجل أن يُختبر المحدِّث.
كما صنع أهل بغداد مع البخاري، وذلك لما علموا أنه قادم عليهم، اجتمعوا من العراق وما حوله وقالوا: نريد أن نختبر هذا الرجل، فوضعوا له مائة حديث ووضعوا لكل حديث إسناداً غير إسناده، وقلبوا الأسانيد ليختبروا البخاري - رحمه الله - وقالوا: كل واحد منكم عنده عشرة أحاديث يسأله عنها، ووضعوا عشرة رجال حفاظ أقوياء، فلما جاء البخاري - رحمه الله - واجتمع الناس، بدأوا يسوقون الأسانيد كلها حتى انتهوا منها، وكانوا كلما ساقوا إسناداً ومعه المتن قال البخاري: لا أعرفه، حتى أتموها كلها، فالعامة من الناس قالوا: هذا الرجل لا يعرف شيئاً، يُعرض عليه مائة حديث وهو يقول: لا أعرفه، يعني لا أعرف هذا السند لهذا الحديث، ثم قام - رحمه الله - بعد ذلك وساق كل حديث بإسناده الصحيح، حتى انتهى من المائة كلها، فعرفوا أن الرجل آية من آيات الله في الحفظ، فأقرُّوا وأذعنوا له.
¥