مثاله: حديث بريرة - رضي الله عنها - حين أعتقتها عائشة رضي الله عنها، ثم خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أن تبقى مع زوجها، أو أن تفسخ نكاحها منه.
ففي بعض روايات الحديث أن زوجها - وهو مغيث - كان حرًّا.
وفي بعض الروايات أنه كان عبداً.
إذاً في الحديث اختلاف والحديث واحد، والجمع غير ممكن فنعمل بالترجيح.
والراجح: أنه كان عبداً، فإذا كان هو الراجح، إذاً نلغي المرجوح، ونأخذ بالراجح، ويكون الراجح هذا سالماً من الاضطراب، لأنه راجح.
* وإذا لم يكن الاختلاف في أصل المعنى، فلا اضطراب، بأن يكون أمراً جانبيًّا.
مثل: اختلاف الرواة في ثمن جمل جابر - رضي الله عنه - واختلاف الرواة في حديث فضالة بن عبيد في ثمن القلادة التي فيها ذهب وخرز، هل اشتراها بإثني عشر ديناراً، أو بأكثر من ذلك أو بأقل.
فنقول: هذا الاختلاف لا يضر، لأنه لا يعود إلى أصل المعنى، وهو بيع الذهب بالذهب، لأنهم كلهم متفقون على أنها قلادة فيها ذهب وخرز، وكانت قد بيعت بدنانير، ولكن كم عدد هذه الدنانير؟
قد اختلف فيها الرواة، ولكن هذا الاختلاف لا يضر.
وكذلك حديث جابر - رضي الله عنه - فقد اتفق الرواة على أن الرسول صلى الله عليه وسلّم اشتراه، وأن جابراً اشترط أن يركبه إلى الميدنة، ولكن اختلفوا في مقدار الثمن، فنقول: إن هذا الاختلاف لا يضر، لأنه لا يعود إلى أصل المعنى الذي سيق من أجله الحديث.
وحكم الحديث المضطرب هو: الضعف، لأن اضطراب الرواة فيه على هذا الوجه يدل على أنهم لم يضبطوه، ومعلوم أن الحديث إذا لم يكن مضبوطاً، فهو من قسم الضعيف.
وقوله (مضطربٌ عند أُهيل الفن).
قد يقول قائل: لماذا صغر كلمة (أهل) وهل ينبغي أن يصغر أهل العلم؟
فنقول: إن المؤلف اضطرَّه النظم إلى التصغير، ولهذا يُعتبر التصغير من تمام البيت فقط، وإلا كان عليه أن يقول: عند أهل الفن.
فإذا قال قائل: الفنُّ عندنا غير محمودٍ عُرفاً؟
فنقول: إن المراد بالفن عند العلماء، هو الصنف.
قال الشاعر:
تمنيتَ أن تمسي فقيهاً مناظراً ** بغير عناء والجنون فنون
يعني أن الذي يتمنى أن يُمسي فقيهاً مناظراً بغير تعب فإنه مجنون، والجنون أصناف من جملتها أن يقول القائل: أريد أن أكون فقيهاً مناظراً، وأنا نائم على الفراش.
قال المؤلف رحمه الله:
والُمدْرَجَاتُ في الحديثِ ما أتَتْ ** مِن بعضِ ألفاظِ الرُّوَاةِ اتّصلَتْ
هذا هو السادس والعشرون من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهو المدرج.
والحديث المدرج هو: ما أدخله أحد الرواة في الحديث بدون بيان، ولهذا سُمي مدرجاً، لأنه أُدرج في الحديث دون أن يبين الحديث من هذا المدرج، فالمدرج إذاً ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم، ولكنه من كلام الرواة، ويأتي به الراوي أحياناً، إما تفسيراً لكلمة في الحديث، أو لغير ذلك من الأسباب.
ويكون الإدراج أحياناً:
* في أول الحديث.
* وأحياناً يكون في وسطه.
* وأحياناً يكون في آخره.
مثاله في أول الحديث: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (أسبغوا الوضوء، ويلٌ للأعقاب من النار) فالمرفوع هو قوله: «ويل للأعقاب من النار» وأما قوله (أسبغوا الوضوء) فهو من كلام أبي هريرة - رضي الله عنه - والذي يقرأ الحديث يظن أن الكل، هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم لأنه لم يُبين ذلك.
ومثال الإدراج في وسط الحديث: حديث الزهري عن عائشة - رضي الله عنها - في كيفية نزول الوحي - يعني أوّل ما أُوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم - فقالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلّم يتحنَّثُ في غار حراء الليالي ذوات العدد، والتحنُّث التعبد. . .) الحديث.
والذي يسمع هذا الحديث يظن أن التفسير من عائشة - رضي الله عنها - في قولها (والتحنث التعبد) والواقع أن التفسير من الزهري - رحمه الله - وهو الان مدرج في الحديث بدون بيان منه أنه مدرج، وهذا الإدراج يُراد به التفسير، والتفسير هنا لابد منه؛ لأن الحنث في الأصل هو الإثم، كما قال تعالى: {وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ}. [الواقعة: 46]. وإذا لم يُبين معنى التحنث لاشتبه بالإثم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يتعبد، والتعبُّد مزيلٌ للحنث الذي هو الإثم، فهو من باب تسمية الشيء بضده.
¥