مثال الإدراج في آخر الحديث: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إن أمتي يُدعون يوم القيامة غُرًّا محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يُطيل غرته وتحجيله فليفعل»، فهذا الحديث إذا قرأته فإنك تظن أنه من قول الرسول صلى الله عليه وسلّم، ولكن الواقع أن الجملة الأخير ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم وهو قوله: (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل) بل هي مدرجة من كلام أبي هريرة - رضي الله عنه - والذي من كلامه صلى الله عليه وسلّم: «إن أمتي يُدعون يوم القيامة غُرًّا محجلين من أثر الوضوء».
أما الجملة الأخيرة فقد أدرجها أبو هريرة - رضي الله عنه - تفقهاً منه في الحديث، ولهذا قال ابن القيم - رحمه الله - في النونية:
وأبو هريرة قال ذا من كيسه فغدا يميزه أولو العرفان
* ويعرف الإدراج بأمور:
1 - بالنص، حيث يأتي من طريق آخر ويُبين أنه مدرج.
2 باستحالة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلّم قد قاله، وذلك لظهور خطأ فيه، أو قرينة تدل على أنه لا يمكن أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم.
3 - بنص من أحد الحفَّاظ الأئمة يبين فيه أن هذا مدرج.
* ما هو حكم الإدراج؟
نقول: إن كان يتغير المعنى بالإدراج فإنه لا يجوز إلا ببيانه.
وإن كان لا يتغير به المعنى مثل: حديث الزهري (والتحنُّث التعبُّد) فإنه لا بأس به، وذلك لأنه لا يعارض الحديث المرفوع، وإذا كان لا يعارضه فلا مانع من أن يُذكر على سبيل التفسير والإيضاح.
وإذا تبين الإدراج فإنه لا يكون حجة، لأنه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلّم فلا يحتج به.
وقوله (من بعض ألفاظ الرواة اتصلت) فكلمة (اتصلت) جملة حالية من فاعل أتت، يعني ما أتت متصلة في الحديث بدون بيان.
وقال رحمه الله تعالى:
ومَا رَوَى كُلُّ قَرينٍ عَنْ أخِهْمُدَبَّجٌ فاعرِفهُ حقًّا وانتَخِهْ هذا هو القسم السابع والعشرون من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهو المدبج.
وعرفه بقوله: وما روى. . . إلخ.
والقرين هو: المصاحب لمن روى عنه، الموافِق له في السنن، أو في الأخذ عن الشيخ.
فإذا قيل: فلان قرينٌ لفلان، أي مشاركٌ له، إما في السن، أو في الأخذ عن الشيخ الذي رويا عنه، مثل: أن يكون حضورهما للشيخ متقارباً مثلاً في سنةٍ واحدة، وما أشبه ذلك.
فالأقران إذا روى أحدهم عن الاخر، فإن ذلك يسمى عند المحدثين رواية الأقران، ولهذا تجد في كتب الرجال أنهم يقولون: وروايته عن فلان من رواية الأقران، أي أنه اشترك معه في السنّ، أو في الأخذ عن الشيخ، فإن روى كل منهما عن الاخر فهو (مُدبَّج).
فمثلاً: أنا رويتُ عن قريني حديث (إنما الأعمال بالنيات) وهو روى عني حديث (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فهذا يكون مُدَبَّجاً، أو يروي عني نفس الحديث الذي رويته أنا، وأكون أنا قد رويته عنه من طريق، وهو رواه عني من طرق آخر، فهذا يسمى أيضاً مُدَبَّجاً.
* وما وجه كونه مُدَبَّجاً؟
قالوا: إنه مأخوذ من ديباجة الوجه، أي جانب الوجه، لأن كل قرين يلتفت إلى صاحبه ليحدثه فيلتفت إليه صاحبه ليحدثه، فيكون قد قابله بديباجة وجهه، وبالطبع فإن هذا الاشتقاق اصطلاحي، وإلا لقلنا إن كل حديث بين اثنين يتجه فيه أحدهما إلى الاخر فإنه يسمى مدبَّجاً، لكن علماء المصطلح خصوه، ولا مشاحة في الاصطلاح.
* ورواية المدبج هو: أن يروي كل قرين عن قرينه، إما حديثاً واحداً، أو أكثر من حديث.
* والفرق بينهما أن المدبَّج يُحدِّث كل منهما عن الاخر.
أما الأقران فأحدهما يحدث عن الاخر فقط بدون أن يحدث عنه صاحبه.
قال المؤلف رحمه الله:
مُتفقٌ لَفْظاً وخَطًّا مُتَّفِقْ ** وضِدُّهُ فيما ذَكَرْنَا الُمفْتَرقْ
هذان هما القسم الثامن والعشرون من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهو: المتفق والمفترق.
وهما في الحقيقة قسم واحد، خلافاً لما يظهر من كلام المؤلف - رحمه الله - حيث جعلهما قسمين وهذا القسم يتعلق بالرواة، وهو ما إذا وجدنا اسمين متفقين لفظاً وخطًّا، لكنهما مفترقان ذاتاً أي أن الاسم واحد والمسمى اثنان فأكثر.
¥