تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم ختمت كل مبحث منها بخلاصة ما توصلت إليه من الفكرة المنهجية المؤسسة على الأدلة ودراسة النماذج؛ فإن هذه الطريقة هي وحدها التي تكشف لنا الخلل الواقع في معالجة كتب المصطلح لتلك الأنواع المذكورة سابقا، وتساعدنا على تحديد مصدر هذا الخلل ومعالجة أسبابه.

ونحن على يقين أن هذا الأسلوب النقدي ليس فيه تحامل على أحد من الأئمة المتأخرين، بل يشكل نقطة احترامنا وتقديرنا لهم ما دمنا ملتزمين في النقد بما تعارف عليه "المتقدمون من نقاد الحديث". ولله تعالى الحمد والشكر.

المبحث الأول: تعارض الوصل والإرسال وتعارض الوقف والرفع

أولاً: نص ابن الصلاح في مسألة التعارض:

قال ابن الصلاح (رحمه الله تعالى) في مبحث الانقطاع: الخامس من فروع الانقطاع:

الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا، اختلف أهل الحديث في أنه ملحق بقبيل الموصول، أوبقبيل المرسل، مثاله: "لا نكاح إلا بولي".

رواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مسنداً هكذا متصلاً، ورواه سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) مرسلاً هكذا، فحكى الخطيب الحافظ: أن أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل، وعن بعضهم أن الحكم للأكثر، وعن بعضهم أن الحكم للأحفظ.

فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله، ثم لا يقدح ذلك في عدالة من وصله وأهليته، ومنهم من قال: من أسند حديثا قد أرسله الحفاظ، فإرسالهم له يقدح في مسنده وفي عدالته وأهليته، ومنهم من قال الحكم لمن أسنده، إذا كان عدلاً ضابطاً، فيقبل خبره، وإن خالفه غيره، سواء كان المخالف له واحدا أو جماعة، قال الخطيب: هذا القول هو الصحيح.

قلت -يعني ابن الصلاح-: "وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله، وسئل البخاري عن حديث: "لا نكاح إلا بولي" المذكور فحَكمَ لمن وصله وقال: الزيادة من الثقة مقبولة، فقال البخاري هذا مع أن من أرسله شعبة وسفيان، وهما جبلان، لهما من الحفظ والإتقان الدرجة العالية.

ويلتحق بهذا ما إذا كان الذي وصله هو الذي أرسله؛ وصله في وقت وأرسله في وقت، وهكذا إذا رفع بعضهم الحديث إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ووقفه بعضهم على الصحابي أو رفعه واحد في وقت ووقفه هو أيضا في وقت آخر فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة من الوصل والرفع، لأنه مثبت وغيره ساكت، ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه، لأنه علم ما خفي عليه، ولهذا الفصل تعلق بفصل زيادة الثقة في الحديث.

وتبعه في ذلك اللاحقون. لكن نجد فيهم من يستدرك على ابن الصلاح كما سيأتي تفصيله إن شاء الله (تعالى).

ثانياً: تحليل النص والتعقيب عليه:

إن مسألة تعارض الوصل والإرسال، وتعارض الوقف والرفع، كثيرا ما ترد في كتب العلل كنماذج واقعية لأخطاء الرواة الثقات أو الضعفاء غير المتروكين، وقد أشار إلى ذلك ابن الصلاح رحمه الله تعالى بقوله في مبحث العلة، "وكثيراً ما يعللون الموصول بالمرسل".

كما أن هذه المسألة قائمة على زيادة الثقة بقدر كبير؛ ذلك أنه إذا كان الثقة هو الذي وصل الإسناد المرسل فإن وصله يعدّ زيادة في السند حيث رواه غيره مرسلاً، وكذلك إذا روى الحديث الموقوف مرفوعاً فيكون رفعه زيادة في السند إذ رواه غيره موقوفاً على الصحابي.

وعلى ذلك فذكر هذه المسألة في مباحث الانقطاع بين موضوعي العنعنة والتدليس ليس مبرراً لا موضوعياً ولا منهجياً؛ إذ إن التعارض والاختلاف بين الوصل والإرسال وكذا بين الوقف والرفع، مسألة لا صلة لها بالانقطاع؛ ولهذا أورد فضيلة الأستاذ نور الدين عتر (حفظه الله تعالى) تلك المسألة في نوع زيادة الثقة في كتابه "منهج النقد في علوم الحديث هذا وقد صرح الإمام ابن الصلاح بذلك حين قال: "ولهذا الفصل تعلق بـ: فصل زيادة الثقة في الحديث". وقد أقره السخاوي بقوله: "وكان الأنسب ضمه لزيادات الثقات لتعلقه كما قال ابن الصلاح به "؛ ولذلك لم يضع ابن الصلاح عنواناً بارزاً لهذا الموضوع، بل جعله خامس فروع الانقطاع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير