تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال أبو أحمد بنُ عدي. ذكر لي جاعةٌ من المشايخ أنَّ محمد بن إسماعيل لمَّا ورد نيسابور اجتمع الناسُ عليه، حَسَدَهُ بعضُ من كان في ذلك الوقتِ من مشايخِ نيسابور لمّا رأوا إقبال الناسِ إليه، واجتماعهم عليه، فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول: اللفظ بالقرآن مخلوق، فامتحنوه في المجلس. فلما حضر الناسُ مجلسَ البخاري، قام إليه رجلٌ، فقال: يا أبا عبدِ الله، ما تقول في اللفظِ بالقرآن، مخلوقٌ هو أم غيرُ مخلوق؟ فأعرض عنه البخاريُّ ولم يُجِبْه. فقال الرجلُ: يا أبا عبد الله، فأعاد عليه القولَ، فأعرضَ عنه. ثم قال في الثالثة، فالتفَتَ إليه البخاريُّ، وقال: {القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة} فشغب الرجل وقال: قد قال لفظي بالقرآن مخلوق.

وذكر بعض أهل العلم أن هذا كان حسدًا من الذهلي على البخاري، وأنا أستبعد ذلك، فقد كان الذهلي من أفاضل أهل العلم وخيارهم، ولكن ما يُعابُ عليه أنه لم يتثبت من مقالة البخاري، فإن البخاري ما قال: لفظي بالقرآن مخلوق، إنما قال: أفعالُنا مخلوقة ... ثم امتدت المحنة حتى خرج البخاريُّ من نيسابور، فاستقبلته محنةٌ أخرى عندما نزل بخارى. فقد قال بكر بن منير بن خليد بن عسكر: بعث الأمير خالد ابن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احملْ إليَّ كتاب "الجامع" و"التاريخ" وغيرهما لأسمع منك. فقال لرسوله: أنا لا أَذِلُّ العلمَ، ولا أَحْمِلُه إلى أبوابِ الناس. فإن كانت لكَ إلى شيءٍ منه حاجةٌ، فاحضُر في مسجدي، أو في داري. وإن لم يعجبْك هذا فإنك سلطانٌ، فامنعني من المجلس، ليكون لي عذرٌ عند الله يومَ القيامة، لأنّي لا أكتُم علم، لقول النبيِّ صلي الله عليه وسلم: "مَنْ سُئِل عَنْ عِلمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجامٍ مِنْ نارٍ" فكان سبب الوحشة بينهما هذا.

فلما وقع هذا للإمام خشي على دينه، قال ابنُ عدي: سمعتُ عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي يقول: جاء محمد بن إسماعيل إلى خَرْتَنْك وهي قريةٌ على فرسخين من سمرقند، وكان له بها أقرباء، فنزل عندهم، فسمعتُهُ ليلةً يدعو، وقد فرغ من صلاة الليل: اللهم إنه ضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك، فما تمَّ الشهر حتى مات. وقد جعل جماعةُ العلماء حديث النهي عن تمني الموت خاصًا بالمصائب التي يبتلى العبدُ بها في الدنيا، أمَّا إذا خشى ذهاب دينه، فيشرع له أن يدعو بالموت، وقد عقد البخاري في "كتاب الفتن" (13 - 7574) بابًا لذلك. فقال: "باب: لا تقوم الساعة حتى يغبط أهلُ القبور". ثم روى فيه حديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا تقوم الساعة حتى يمرَّ الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانك". وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا. وقال ابنُ عبد البر: "ظنَّ بعضهم أن حديث أبي هريرة معارض للنهي عن تمني الموت، وليس كذلك، إنما في حديث أبي هريرة أن هذا القدر سيكون لشدةٍ تنزلُ بالناس من فساد الحال في الدين، أو ضعفه، أو خوف ذهابه، لا لضرر ينزل بالجسم، كما قال الحافظ، وكذلك أجاب القرطبيُّ وغيرُهُ. وقد أثر عن جماعة من السلف أنهم تمنوا الموت خوف الفتنة في الدين، وأنا أذكر ما يحضرني من ذلك. وقد ورد هذا المعنى في حديث ابن عباس مرفوعًا: " ... وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون" أخرجه أحمد (1 - 368)، والترمذيُّ (3233) وصححه الألباني في (صحيح الترغيب 405، 451) وصحيح الجامع (59)، وعبد الرزاق في "تفسيره" (2 - 169)، وعبد بن حميد في "المنتخب" (682)، وابن خزيمة في "التوحيد" (ص218217) عن أبي قلابة، عن ابن عباسٍ، ولكنه لا يصح لاضطرابه، ولانقطاعٍ في سنده. وإنما نبهتُ على ذلك لأن بعض العلماء كابن كثيرٍ رحمه احتج به على هذا المعنى، وهو رائقٌ لو صحَّ الحديث.

أما الآثار عن السلف رحمهم الله، فمنها:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير