الراجحُ في هذه المسألةِ:
لبسُ خاتمِ الفضةِ للرجالِ مباحٌ وليس سنةً، والأدلةُ على ذلك ما يلي:
- إن النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - لم يلبس الخاتم حتى قيل له: إن الملوكَ لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً فاتخذ الخاتمَ، كما في الصحيحين من حديث أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ، فَقِيلَ: " إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا بِخَاتَمٍ "، فَصَاغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا حَلْقَتُهُ فِضَّةً، وَنَقَشَ فِيهِ: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ". [البخاري (5872)، ومسلم (2092) واللفظُ له].
- أفعالُ النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - التي لم يدل دليلٌ على أنهُ قصد بها القربةَ فلا يندبُ فعلها، وأما قوله تعالى: " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " [الأحزاب: 21] فتأويلها أنهُ يجبُ علينا متابعةُ قصدِ النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - فإن قصدَ الإباحةَ لا يجوز لنا أن نقصدَ الطاعةَ والتقربَ، فنخالفهُ في قصدهِ وندعي أننا تابعناه وأتسينا به، فما فعلهُ - صلى اللهُ عليه وسلم - بحكمِ الاتفاقِ ولم يقصدهُ مثل أن ينزلَ بمكانٍ ما ويصلي فيه، لكونه نزله لا قصداً منه لتخصيصهِ بالصلاةِ والنزولِ فيه، فمن نزل وخصص ذلك المكانَ بالصلاةِ لا يكونُ متأسياً به - صلى اللهُ عليه وسلم - لأنه لم يقصد ذلك المكانَ بالعبادةِ.
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ - رحمهُ اللهُ -: في " الفتاوى " (1/ 280): " الْمُتَابَعَةَ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَ، فَإِذَا فَعَلَ فِعْلًا عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ شَرَعَ لَنَا أَنْ نَفْعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ، وَإِذَا قَصَدَ تَخْصِيصَ مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ بِالْعِبَادَةِ خَصَّصْنَاهُ بِذَلِكَ ".
- عدمُ وجودِ القرينةِ التي تدلُ على أن لبسَ النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - للخاتمِ كان على وجهِ القربةِ والطاعةِ، فلبسُ الخاتمِ مباحٌ ليس بمستحبٍ، وهذا ينطبقُ على رفضهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - التنشيف من الغسلِ بالمنديلِ ونفضه الماء بيده، واستعمالهِ آنيةً معينةً في الوضوءِ، وأكلهِ من كبدِ أضحيتهِ يوم عيد الأضحى، وذهابهِ إلى عرفة من طريق ضب، ورجوعهِ من طريق المأزمين، وركوبه أثناء الطواف والسعي والوقوف، وكونُ الركوب في تلك المواضع على بعيرٍ، والتفاته بالصلاة وقت الخطرِ، وسيرهِ فيها حتى فتح البابَ لعائشةَ، وإشارته بيده ليرد السلام، واختيارهِ ما أكله وشربه أثناء حجه، ونزوله في خيمةٍ حينذاك ونحوه، فكلُ ذلك يدلُ على الإباحةِ فقط، ولا قدوة فيه ولا استحباب.
- من قال باستحبابِ لبسِ خاتمِ الفضةِ يلزمهُ القول بأن لبسَ الرداءِ والإزارِ مستحبٌ، وهو الأفضلُ لكلِ أحدٍ أن يرتدي ويأتزر ولو مع القميصِ، وكذلك لبسُ العمامةِ والنعالِ السبتيةِ، فالنبي - صلى اللهُ عليه وسلم - لم يقصد القربةَ في هذهِ الأفعالِ، فيحمل لبسه - صلى اللهُ عليه وسلم - للخاتمِ على الإباحةِ في حقهِ وحقِ أمتهِ.
رابعاً: التختمُ بالمعادنِ الثمينةِ كاليواقيتِ أو اللآلئ للرجالِ:
نقل النووي – رحمه الله - في " المجموع " (4/ 466) عن الشافعي – رحمه الله - قوله: " قَالَ فِي الْأُمِّ: وَلَا أَكْرَهُ لِلرِّجَالِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ، وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ، ولا أكره لبس ياقوت أو زبرجد إلا من جهة السرف والخيلاء "، هذا نصه , وكذا نقله الأصحاب واتفقوا على أنه لا يحرم".
وقال الشلبي الحنفي في " حاشيته على تبيين الحقائق " (6/ 15 - 16): " نقل صاحب الأجناس لا بأس للرجل أن يتخذ خاتما من فضة فصه منه , وإن جعل فصه من جزع أو عقيق أو فيروزج أو ياقوت أو زمرد فلا بأس".
وقال ابن حزم - رحمه الله - في " المحلى " (10/ 86) مسألة 1920: " والتحلي بالفضة , واللؤلؤ , والياقوت , والزمرد: حلال في كل شيء للرجال والنساء "
¥