وقد ذكرنا وجوه صحة الأحاديث على عشرة أنواع على اختلاف بين أهله فيه لئلا يتوهم متوهم أنه ليس يصح من الحديث إلا ما أخرجه البخاري ومسلم، فإنا نظرنا وتأملنا ووجدنا البخاري قد جمع كتابا في التاريخ على أسامي من روى عنهم الحديث من زمان الصحابة إلى سنة خمس ومائتين فبلغ عددهم قريبا من أربعين ألف رجل وامرأة المخرج منهم في الصحيحين للبخاري ومسلم، وقد جمعت أنا أساميهم وما أختلفا فيه فاحتج به ألاخر فلم يبلغوا ألفي رجل وامرأة ثم جمعت من ظهر جرحه من جملة الاربعين ألف فبلغوا مائتين وستة وعشرين رجلا.
فليعلم طالب العلم أن أكثر الرواة للأخبار ثقات وأن الدرجة الأولى منهم محتج بهم في الكتابين وأن سائرهم أكثرهم ثقات، وإنما سقط أساميهم من الكتابين الصحيحين للوجوه التي قدمنا ذكرها لا يخرج منهم.
وأنا ذاكر بمشيئة الله وحسن توفيقه سبب الجرح وما يوهم أنه جرح وليس بجرح ليوقف على حقيقة الحال.
ذكر أنواع الجرح وصفته وطبفات المجروحين
(فأول أنواعه)
وضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد صحت عنه الرواية (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي حدثني أبي عن ألوزاعي حدثني حسان بن عطية عن أبي كبشة عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج وحدثوا عني ولا تكذبوا علي فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
فممن ارتكب هذه الكبيرة جماعة فمنهم:
· قوم من الزنادقة
مثل المغيرة بن سعيد الكوفي وأبي عبد الرحيم الكوفي ومحمد بن سعيد الشامي المصلوب في الزندقة تشبهوا بالعلماء فوضعوا الحديث وحدثوا به ليوقعوا قلوبه الشك، ففما روى محمد بن سعيد المصلوب عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله) فوضع هذا الاشتثناء لما كان يدعوا إليه من الإلحاد والزندقة والدعوة للمتنبي (هكذا ولعله التنبي)
أخبرني أبو الحسن محمد بن يعقوب الحافظ حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام حدثنا أحمد بن سليمان الرهاوي حدثنا أبو النعيم حدثنا حماد عن ابن عون قال: قال إبراهيم النخعي: إياكم والمغيرة بن سعيد وأباعبد الرحيم فإنهما يكذبان.
قال محمد بن عبد الله البيروتي سمعت جغفر بن أبان الحافظ يمعت نميرا يقول: نمير بن سعيد هذا كان شاعرا مشعبذا وكان أبو عبد الرحيم زنديقا قتلهما خالد بن عبد الله القسري وأحرقهما بالنار.
سمعت أبا العباس السياري سمعقت عبدان ذكر عبد الله بن المبارك هذا عند ذكر الزنادقة وما يضعون من الأحاديث.
· ومنهم قوم وضعوا لهواهم ليدعوا الناس إليه
أخبرنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ حدثنا أحمد بن علي المثنى حدثنا هارون بن معروف حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن مجبر عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنا كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذالم يكذب عليه فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه.
ومن هذه الطبقة جماعة منهم من أقر على نفسه بذلك، سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو نعيم الحلبي حدثنا عبد الله بن لهيعة قال: سمعت شيخا من الخوارج تاب أو رجع وهو يقول بأن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا.
سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الأبري سمعت إسماعيل بن محمد النحوي سمعت المحاملي سمعت أبا العيناء يقول: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك وأدخلناه على الشيوخ ببغداد فقبلوه إلا ابن أبي شيبة العلوي فإنه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوله فأبى أن يقبله وكان أبو العيناء يحدث بهذا بعدما تاب.
أخبرني إسماعيل بن أحمد الجرجاني حدثنا أبو نعيم حدثنا عمار بن رجاء عن سليمان بن حرب قال: دخلت على الشيخ وهو يبكي فقلت له وما يبكيك؟ وضعت أربعمائة حديث ووضعتها في (برنامج) الناس فلا أدري كيف أصنع.
· ومنهم جماعة وضعوا الحديث حسبة كما زعموا يدعن الناس إلى فضائل الأعمال
مثل أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي ومحمد بن عكاشة الكرماني وأحمد بن عبد الله الجوباري ومحمد بن القاسم الطايكاني ومأمون بن عبد الله الهروي وغيرهم.
¥