الحديث الرابع: حديث سمرة السوائي ـ رضي الله عنه ـ، قال الطبراني في المعجم الكبير (7/ 270): حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني ثنا سليمان بن داود الشاذكوني ثنا إسماعيل بن عبدالله بن موهب عن عثمان بن عبدالله بن موهب عن جابر بن سمرة عن ابن سمرة السوائي قال: (سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقلت: إنا أهل بادية وماشية فهل نتوضأ من لحوم الإبل وألبانها؟، قال: نعم، فقلت: فهل نتوضأ من لحوم الغنم وألبانها؟ قال: لا).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 250): رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسنٌ إن شاء الله.
وتعقبه [شيخنا] حمدي السلفي في تحقيق المعجم وقال: قلت سليمان بن داود الشاذكوني متروك فكيف يكون إسناده حسناً!!.
قال مقيده عفا الله عنه: والأمر عندي ما قال [شيخنا] حمدي، فسليمان كذبه ابن معين وقال أبو حاتم ليس بشي متروك الحديث، وقال النسائي ليس بثقة وقال البخاري فيه نظر، وانظر مزيداً من الكلام عليه في لسان الميزان (3/ 84).
وفيه علة أخرى، وهي حال إسماعيل بن عبدالله بن موهب فلم أجد من ترجم له ـ إن كان هذا هو رسم اسمه الصحيح ـ ومع ذلك فقد خالفه غيره من الأئمة المشهورين بالإتقان، فقد رواه الامام مسلم في صحيحة (4/ 48 ـ نووي) عن أبي عوانة عن عثمان بن عبدالله بن موهب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أأتوضأ من لحوم الغنم؟، فال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ، قال: أاتوضأ من لحوم الإبل؟، قال: نعم توضأ من لحوم الإبل ..... الحديث، ولم يذكر الألبان، وهذا اللفظ هو الصحيح المتقن واسناده الصحيح، امّا طريق إسماعيل السابقة فساقطة، والله أعلم.
************************
الحديث الخامس: عن البراء بن عازب أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (توضأ من لحوم الإبل وألبانها) رواه الشالنجي بإسناد جيد قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة (1/ 335).
قال مقيده عفا الله عنه: ويحتاج إلى النظر في إسناده، وقد تقدم أن الأعمش رواه عن عبدالله ابن عبيدالله عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن البراء به وليس فيه ذكر الألبان، أخرجه أحمد وأهل السنن ـ عدا النسائي وابن ماجة ـ وغيرهم، وهي أصح الطرق عن البراء على الإطلاق كما قال أبو حاتم وابو عيسى الترمذي وابن خزيمة وغيرهم، وقال الإمام أحمد وإسحاق: صح في هذا الباب حديثان عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديث البراء بن عازب، وحديث جابر بن سمرة، نقله البيهقي في السنن (1/ 159) وهذا طعن منهما فيما سواهما، والله أعلم.
***************************
قال مقيده عفا الله عنه: فتبين مما تقدم أنه لا يصح في الأمر بالوضوء من ألبان الإبل شيء، وعندما نُظر في أدلة من قال بعدم الوضوء وجدناهم قد استدلوا بإدلة أقواها حديث ابن عباس عند ابن ماجة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (تمضمضوا من اللبن فإن له دسماً)، وأصله في الصحيحين، وقالوا: هذا يفيد الإكتفاء بالمضمضة في كل لبن، وأن الأمر بها علىالإستحباب، ولو تعلق بها حكم آخر لذكر، ويشهد لذلك ما نقله البيهقي في السنن الكبرى (1/ 159) عن جابر بن سمرة يقول: (كنا نمضمض من ألبان الإبل ولا نمضمض من ألبان الغنم وكنا نتوضأ من لحوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم)، وفي إسناده راوٍ لم يسم.
واستدلوا أيضاً بحديث العرنيّين عندما أمرهم أن يشربوا من ألبان الإبل وابوالها، رواه الجماعة وقالوا: لو كان ناقضاً للوضوء لنبههم على ذلك مع كونهم حديثي عهد بجاهلية، وبهذا إستدل شيخنا عبدالعزيز بن باز ـ حفظه الله ـ على ترك الوضوء عندما سألته عن الوضوء من البان الإبل، واستدلوا أيضاً بفتيا بعض الصحابة، كابن عباس وغيره، واستدلوا أيضاً بالأصل وهو عدم الحظر، لأن كون أكل لحوم الإبل ناقضاً وأكل لحوم الغنم غير ناقض، والصلاة في معاطن الإبل لا تجوز وفي مرابض الغنم تجوز هذا أمرٌ تعبدي، وغلط من قال أن العلة النجاسة وإلاّ فما جاز أكل لحومها ولا شرب ألبانها وأبوالها والركوب عليها ودخولها المسجد والطواف بها على البيت، ومن قاس اللبن على اللحم فهو قياس في غير محلِّه، وما أجمل جواب أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عندما سئل عن الوضوء من اللبن؟، فقال: شراباً سائغاً للشاربين، رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 61)، والناظر إلى إدلة الفريقين يترجح له عدم الوضوء من ألبانها، ولا شك أن باب الإحتياط مفتوح في مثل هذه المسائل فإن احتاط وتوضأ فحسن وإلاّ فالوضوء عليه ليس بواجب، والله أعلم.
وكتب بدر بن علي، ضحى الثلاثاء 22/ ربيع الأول / 1417 هـ .. الطائف ـ الحوية.
(فرغ من تبييضه عصر الإثنين 27/ شعبان / 1417 هـ .. الخرمة.) [/ SIZE]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
¥