تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الجارية وهي راعية غنم، وهو مشهور معروف، وإنما أذكر الشاهد منه؛ حينما سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أين الله؟ " قالت له: في السماء" (1). لو سألت اليوم كبار شيوخ الأزهر – مثلاً – أين الله؟ لقالوا لك: في كل مكان! بينما الجارية أجابت بأنه في السماء، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم، لماذا؟؛ لأنها أجابت على الفطرة، وكانت تعيش بما يمكن أن نسميه بتعبيرنا العصري (بيئة سلفية) لم تتلوث بأي بيئة سيئة – بالتعبير العام -؛ لأنها تخرجت كما يقولون اليوم – من مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم – هذه المدرسة لم تكن خاصة ببعض الرجال ولا ببعض النساء، وإنما كانت مشاعة بين الناس وتضم الرجال والنساء وتعم المجتمع بأكمله، ولذلك عرفت راعية الغنم العقيدة لأنها لم تتلوث بأي بيئة سيئة؛ عرفت العقيدة الصحيحة التي جاءت في الكتاب والسنة وهو مالم يعرفه كثير ممن يدعي العلم بالكتاب والسنة، فلا يعرف أين ربه! مع أنه مذكور في الكتاب والسنة، واليوم أقول: لا يوجد شيء من هذا البيان وهذا الوضوح بين المسلمين بحيث لو سألت –لا أقول: راعية غنم – بل راعي أمة أو جماعة؛ فإنه قد يحار في الجواب كما يحار الكثيرون اليوم إلا من رحم الله وقليل ما هم!!!

الدعوة إلى العقيدة الصحيحة تحتاج إلى بذل جهد عظيم ومستمر:

فإذاً، فالدعوة إلى التوحيد وتثبيتها في قلوب الناس تقتضي منا ألا نمر بالآيات دون تفصيل كما في العهد الأول؛ لأنهم – أولاً – كانوا يفهمون العبارات العربية بيسر، وثانياً لأنه لم يكن هناك انحراف وزيغ في العقيدة نبع من الفلسفة وعلم الكلام، فقام ما يعارض العقيدة السليمة، فأوضاعنا اليوم تختلف تماماً عما كان عليه المسلمون الأوائل، فلا يجوز أن نتوهم بأن الدعوة إلى العقيدة الصحيحة هي اليوم من اليسر كما كان الحال في العهد الأول، وأقرب هذا في مثل لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان – إن شاء الله تعالى-:

من اليسر المعروف حينئذ أن الصحابي يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة ثم التابعي يسمع الحديث من الصحابي مباشرة ... وهكذا نقف عند القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، ونسأل: هل كان هناك شيء اسمه علم الحديث؟ الجواب: لا، وهل كان هناك شيء اسمه علم الجرح والتعديل؟ الجواب: لا، أما الآن فهذان العلمان لا بد منهما لطالب العلم، وهما من فروض الكفاية؛ وذلك لكي يتمكن العالم اليوم من معرفة الحديث إن كان صحيحاً أو ضعيفاً، فالأمر لم يعد ميسراً سهلاً كما كان ذلك ميسراً للصحابي، لأن الصحابي كان يتلقى الحديث من الصحابة الذين زكوا بشهادة الله – عز وجل – لهم .... إلخ. فما كان يومئذ ميسوراً ليس ميسوراً اليوم من حيث صفاء العلم وثقة مصادر التلقي، لهذا لا بد من ملاحظة هذا الأمر والاهتمام به كما ينبغي مما يتناسب مع المشاكل المحيطة بنا اليوم بصفتنا مسلمين، والتي لم تحط بالمسلمين الأولين من حيث التلوث العقدي الذي سبب إشكالات وأوجد شبهات من أهل البدع المنحرفين عن العقيدة الصحيحة منهج الحق تحت مسميات كثيرة، ومنها الدعوة إلى الكتاب والسنة فقط! كما يزعم ذلك ويدعيه المنتسبون إلى علم الكلام.

ويحسن بنا هنا أن نذكر بعض ما جاء في الأحاديث الصحيحة في ذلك ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الغرباء في بعض تلك الأحاديث، قال:" للواحد منهم خمسون من الأجر قالوا: منا يا رسول الله أو منهم؟ قال: " منكم" (1).

وهذا من نتائج الغربة الشديدة للإسلام اليوم التي لم تكن في الزمن الأول، ولا شك أن غربة الزمن الأول كانت بين شرك صريح وتوحيد خال من كل شائبة، بين كفر بواح وإيمان صادق، أما الآن فالمشكلة بين المسلمين أنفسهم فأكثرهم توحيده مليء بالشوائب، ويوجه العبادات إلى غير الله ويدعي الإيمان؛ هذه القضية ينبغي الانتباه لها أولاً،و ثانياً: لا ينبغي أن يقول بعض الناس: إننا لا بد لنا من الانتقال إلى مرحلة أخرى غير مرحلة التوحيد وهي العمل السياسي!! لأن الإسلام دعوته دعوة حق أولاً، فلا ينبغي أن نقول: نحن عرب والقرآن نزل بلغتنا، مع تذكيرنا أن العرب اليوم عكس الأعاجم الذين استعربوا، بسبب بعدهم عن لغتهم، وهذا ما أبعدهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم، فهب أننا – نحن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير