تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والكلام في الصفات كالكلام في الذات، فكما أنا نثبت ذاتاً لا تُشبه الذوات، فكذا نقول في صفاته إنها لا تشبه الصفات، فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. فلا نُشَبِّهُ صفاتِ الله بصفات المخلوقين، ولا نُزيل عنه صفةً من صفاته لأجل شناعة المشنعين وتلقيب المفترين؛ كما أنا لا نبغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسمية الروافض لنا نواصب، ولا نُكَذِّب بقد الله تعالى ولا نجحد كمال مشيئته وقدرته لتسمية القدرية لنا مجبرة، ولا نجحد صفات ربنا تبارك وتعالى لتسمية الجهمية والمعتزلة لنا مجسمة مشبهة حشوية:

فإن كان تجسيماً ثُبوتُ صفاتِه تعالى فَإني اليوم عَبْدٌ مُجسِّم

ورضي الله عن الإمام الشافعي إذ يقول:

إن كان رَفْضاً حبُّ آل محمد فليشهدِ الثقلان أني رَافِضي

وقدس الله روح القائل وهوَ شيخ الإسلام ابن تيمية إذْ يقول:

إن كان نَصْبَاً حبُّ صحب محمد فليَشهد الثَّقلان أَنِّي نَاصِبي.

فصل

وأمَّا القرآن فَإني أقول: إنه كلام الله منزَّلٌ غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلم الله به صدقاً، وسمعه منه جبريل حقاً، وبلَّغَهُ محمداً صلى الله عليه وسلم وحياً، وإن (كهيعص) و (حم عسق) و (الر) و (ق) و (ن) عَيْنُ كلام الله حقيقة، وأن الله تكلم بالقرآن العربي الذي سمعه الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن جميعه كلام الله وليس قَول البشر، ومن قال: إنه قول البشر فقد كَفر، والله يصليه سَقر. ومن قال: ليس لله بيننا في الأرض كلام، فقد جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله بعثه يبلغ عنه كلامه، والرسول إنما يبلغ كلام مرسله، فإذ انتفى كلام المرسل انتفت رسالة الرسول.

ونقول: إن الله تعالى فوق سمواته، مُسْتَوٍ على عرشه، بَائنٌ من خلقه، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته. وإنه تعالى إليه يصعد الكلم الطيب، وتعرج الملائكة والروح إليه. وإنه {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه} [السجدة: 5]. وإن المسيح رُفع بذاته إلى الله تعالى، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عُرج به إلى الله تعالى حقيقة. وإن أراوح المؤمنين تصعد إلى الله عز وجل عند الموافاة فتُعرض عليه وتقف بين يديه. وإنه تعالى هو القاهر فوق عباده وهو العلي الأعلى، وإن المؤمنين والملائكة المقربين يخافون ربهم من فوقهم، وإن أيدي السائلين تُرفع إليه وحوائجَهم تُعرض عليه، وإنه سبحانه هو العلي الأعلى بكل اعتبار.

فلما سمع المعطل منه ذلك، أمسك ثم أسرها في نفسه، وخَلا بشياطينه وبني جنسه، وأوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول وأصناف المكر والاحتيال، ورَاموا أمراً يستحمدون به إلى نظرائهم من أهل البدع والضلال، وعقدوا مجلساً بَيَّتوا في مساء ليلته ما لا يرضاه الله من القول، {والله ُبِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال: 47]، وأتوا في مجلسهم ذلك بما قَدروا عليه من الهذيان واللغط والتخليط. وراموا استدعاء المُثبِتِ إلى مجلسهم الذي عقدوه؛ ليجعلوا نزله عند قدومه عليهم ما لفَّقُوه من الكذب وتمموه، فحبس الله سبحانه عنه أيديهم وألسنتهم فلم يَتجاسروا عليه، ورد الله كيدهم في نحورهم فلم يَصِلوا بالسوء إليه، وخذلهم المطاعُ فمزق ما كتبوه من المحاضر، وقلب الله قلوب أوليائه وجنده عليهم من كل باد وحاضر، وأخرج الناس لهم من المخبآت كمائنها ومن الجَوائف والمُنَقِّلات دفائنها. وقَوَّى الله تعالى جأش المُثْبِت وثبَّت لسانه، وشيَّد بالسنة المحمدية بُنيانه، فسعى في عقد مجلس بينه وبين خصومه عند السلطان، وحكَّمَ على نفسه كُتُبَ شيوخ القوم السالفين وأئمتِهم المتقدمين، وأنه لا يستنصر من أهل مذهبه بكتاب ولا إنسان، وأنه جعل بينه وبينكم أقوال من قَلدتموه، ونصوص من على غيره من الأئمة قَدمتموه. وصرخ المثبت بذلك بين ظهرانيهم حتى بلّغه دَانِيهم لقَاصِيهم؛ فلم يذعنوا لذلك واستعفوا من عقده. فطالبهم المثبت بواحدة من خلال ثلاث:

1 - مناظرة في مجلس علمي شريطة العلم والإنصاف، تُحضر فيه النصوص النبوية، والآثار السلفية، وكُتب أئمتكم المتقدمين من أهل العلم والدين. فقيل لهم: لا مراكب لكم تُسابقون بها في هذا الميدان، وما لكم بمقاومة فرسانه يدان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير