لَهُمَا فيجتَمِعَانِ يَلتَقيَانِ
وكذَلِك القَمَرَانِ يَأذَنُ رَبُّنَا
113
وكِلاَهُمَا في النَّار مَطْروحانِ،
هَذِي مُكوَّرَةٌ وَهَذَا خَاسِفٌ
114
كلآلِئٍ نُثِرتْ عَلَى مَيْدَانِ،
وَكَواكِبُ الأفلاَكِ تُنثَرُ كُلُّهَا
115
وَتَمورُ أيْضاً أيَّمَا مَوَرَانِ
وَكَذا السَّمَاءُ تُشَقُّ شَقّاً ظَاهِراً
116
ـــذَا المُهْلِ أو تَكُ وردةً كَدِهَانِ،
وتصيرُ بَعْدَ الانشِقَاقِ كَمِثْلِ هَـ
117
أيْضاً وإنَّهُمَا لَمخلُوقَانِ،
والعَرْشُ وَالْكُرسيُّ لا يُفْنيهماَ
118
ـــمأوَى وَمَا فِيهَا مِنَ الوِلْدَانِ؛
والحورُ لا تَفْنى، كَذلِكَ جَنَّةُ الْـ
119
عَدَمٌ وَلَمْ تُخْلَقْ إلَى ذَا الآنِ،
ولأجلِ هَذَا قَالَ جَهْمٌ إنَّهَا
120
أجسَامُهُمْ حُفِظَتْ مِن الدِّيدَانِ
والأنْبِياءُ فَإنَّهُمْ - تَحتَ الثَّرَى -
121
- أبَداً وَهُمْ تَحتَ التُّرَابِ - يَدَانِ،
ما للْبِلى بلُحُومِهِمْ وجُسومِهِم
122
مِنْهُ تُرَكَّبُ خِلْقَةُ الإنْسَانِ،
وَكَذاكَ عَجْبُ الظَّهْرِ لا يبْلَى، بَلَى
123
تَبْلَى الجُسُومُ وَلاَ بِلَى اللُّحْمَانِ؛
وكَذلِكَ الأرْوَاحُ لاَ تَبْلَى كَمَا
124
أرواحِ خَارجةً عَنِ الأبْدَانِ
وَلأجْلِ ذَلِكَ لم يُقِرَّ الجَهْمُ بالـ
125
قَامَتْ)). وَذَا في غَايَةِ البُطْلاَنِ.
لَكنَّهَا ((مِنْ بَعْضِ أعْرَاضٍ بهَا
126
أبْدَانَنا وَاللهِ أعظَمُ شَانِ
فالشَّأنُ للأرواحِ بَعْدَ فِراقِهَا
127
قَدْ نُعِّمَتْ بالرَّوْحِ والرَّيْحَانِ
إمَّا عَذَابٌ أو نَعِيمٌ دَائمٌ
128
تَجْني الثِّمارَ بِجَنَّةِ الحَيَوانِ
وتصيرُ طيراً سارحاً مَعْ شَكْلِهَا
129
حَتَّى تَعُودَ لِذَلِكَ الجُثْمَانِ،
وَتَظَلُّ وَارِدَةً لأنهَارٍ بِها
130
في جَوْفِ طَيْرٍ أخْضَرٍ رَيَّان
لَكِنَّ أرواحَ الذينَ استُشهدُوا
131
ونَعِيمِهِمْ للرُّوحِ والأبْدَانِ
فلهُمْ بذَاكَ مزيَّةٌ في عَيشِهِمْ
132
أجْسَامَ تلكَ الطَّيرِ بالإِحسَانِ
بَذَلُوا الجُسُومَ لربِّهِم فأعَاضَهُم
133
مَأوىً لَهَا كَمَسَاكِنِ الإنْسَانِ؛
وَلَها قنَادِيلٌ إليهَا تَنتَهِي
134
مِنْهَا بِهَذي الدَّارِ في جُثْمَانِ،
فالرُّوحُ بَعْدَ الموتِ أكمَلُ حَالَةً
135
قد عاينَتْ أبصَارُنا بِعيَانِ.
وَعذَابُ أشقَاهَا أشدُّ مِنَ الذِي
136
ذَا كُلَّهُ!! تَبَّاً لِذِي نُكْرانِ.
والقائِلُونَ بِأنَّهَا عَرَضٌ أبَوْا
137
بَعْدَ المَمَاتِ إلى المَعَادِ الثَّانيِ
وإذَا أرَادَ اللهُ إخْرَاجَ الوَرَى
138
- واللهُ مُقْتَدِرٌ وذُو سُلطَانِ-
ألقَى عَلَى الأرْضِ التي هُمْ تَحتَها
139
عشْراً وَعشْراً بَعْدَهُ عَشْرَانِ؛
مَطَراً غَليظاً أَبيَضَاً مُتَتَابِعاً
140
وَلُحُومُهُمْ كَمَنابِتِ الرَّيْحَانِ،
فَتَظَلُّ تَنبُتُ منهُ أَجْسَامُ الوَرَى
141
وتمخَّضَتْ فَنِفَاسُهَا مُتَدَانِي
حَتَّى إذَا مَا الأمُّ حَانَ وِلادُهَا
142
فَبَدَا الجَنِينُ كَأكْمَلِ الشُّبَّانِ
أوْحَى لَهَا ربُّ الوَرَى فَتَشقَّقَتْ
143
أثقَالَها أُنْثَى ومِنْ ذُكْرَانِ،
وتخلَّت الأمُّ الوَلُودُ وأَخْرَجَتْ
144
أُخْرَى كَمَا قَدْ قَالَ في الفرقانِ.
واللهُ يُنْشِىءُ خلْقَهُ في نَشْأةٍ
145
ــهَادِي بِه فاحْرِصْ عَلَى الإيمَانِ
هَذا الذِي جَاءَ الكتابُ وسنةُ الـ
146
طُرًّاً كقولِ الجاهلِ الحَيْرَانِ
ما قَالَ إنَّ اللهَ يُعدِمُ خَلْقَهُ
147
فَصْلٌ
فِعلاً يَقومُ بِه بِلاَ بُرْهَانِ
وَقَضى: ((بِأنَّ الله لَيْسَ بفاعِلٍ
148
كَالْوَصْفِ غَيرُ الذَّاتِ في الحُسبانِ))،
بَلْ فِعْلُه - المَفْعُولُ خَارِجَ ذَاتِهِ -
149
عَيْنُ العُصَاةِ وشيعةُ الشَّيطانِ
والجبرُ مذْهَبُهُ الذِي قرَّتْ بِهِ
150
هُوَ فِعْلُهُم والذَّنْبُ للإِنْسَانِ
كانُوا عَلَى وَجَلٍ مِنَ العِصْيانِ إذْ
151
بإرادةٍ وبِقُدْرَةِ الحَيوَانِ،
واللَّومُ لا يعدُوهُ إذْ هُوَ فَاعِلٌ
152
ــومِ العَنِيفِ وَما قَضوْا بأمَانِ،
فَأراحَهُمْ جَهْمٌ وَشِيعتُهُ مِنَ اللـ
153
رَبِّ العبَادِ بعزَّةٍ وأمانِ
لكنَّهم حَمَلوا ذُنُوبَهُمُ عَلى
154
أفعالُهُ ما حِيلةُ الإِنسَانِ؟
وتبرَّؤوا مِنْهَا وقالُوا: ((إنَّهَا
155
أنَّى وقَدْ جُبِرتْ عَلَى العِصْيَانِ،
ما كَلَّفَ الجبارُ نَفْساً وُسْعَها
156
مَجْبُورةً فَلَهَا إذًا جَبْرَانِ
¥