فيستفاد من هذا الحديث اقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة وصوبحاتها على اللعب بالبنات، وهن اللعب المصورة، وهذا التقرير يتعارض مع أحاديث قوليه نهت عن الصور صنيعها، اتخاذها، بيعها. منها الحديث الذي رواه البخاري (4) عن عائشة - رضي الله عنها - أنها أخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على الباب فلم يدخله، فعرفت في وجهه الكراهة، فقلت يا رسول الله أتوب الى الله والى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما بال هذه النمرقة؟ قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ان أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون، فيقال لهم: "ان أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون، فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم" وقال: "ان البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة".
وقد تنبه العلماء وبخاصة شراح الصحيحين لهذا التعارض، فحاولوا الاجابة عنه بأجوبة متعددة، منها: ما ذكره النووي (5) عن القاضي عياض (6) من جواز اللعب بهن - أي اللعب - قال: وهن مخصوصات من الصور المنهي عنها لهذا الحديث. ونقل أن الجمهور يرى جواز اللعب بهن.
ومن الأجوبة أن حديث اللعب منسوخ حكاه النووي وابن حجر (7) وعزياه لطائفة من العلماء، والنسخ يحتاج لدليل أو قرينة، والدليل منتف في هذا الحديث.
ولذلك أراني أميل للرأي الأول من جواز لعب الصغار بالبنات والجواز باق على حاله، لم يتسخ ولم يتغير، والنهي يحمل على من أراد التلهي أو اجلال وتعظيم الصور، وهذا ما يفسر اجازة العلماء للستور التي عليها الصور ان كانت ممتهنة.
قال الخطابي (8): في هذا الحديث أن اللعب بالبنات ليس كالتلهي بسائر الصور التي جاء فيها الوعيد، وانما أرخص لعائشة فيها لأنها اذاك كانت غير بالغ. ونقل ابن عبد البر (9) عن عكرمة أنه قال: "كانوا يكرهون ما نصب من التماثيل نصبا، ولا يرون بأسا بما وطئته الأقدام"، وذكر نظير هذا عن ابن سيرين، وسعيد بن جبير، وسالم بن عبد الله.
أما عن تعارض الفعل مع التقرير فله صورتان، وهما: "أن يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا ويقر أحدا على تكره، أو أن يترك شيئا ويقر أحدا على فعله" (10).
وأنا على يقين من وجود الصورتين جميعا في الكتب الا أنني لم أوفق لاستلال أمثلة على الحالة الأولى خاصة من كتب السنة، ولعلي استدرك هذا بعدما أجده وفيما يخص الحالة الثانية فاستطيع أن أمثل لها بما رواه مسلم (11) عن عبد الله بن عباس أن خالد بن الوليد الذي يقال له: سيف الله أخبره أنه دخل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي خالته وخالة ابن عباس، فوجد عندها ضبا محنوذا (12) قدمت به حفيدة بنت الحارث من نجد، فقدمت الضب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان قلما يقدم اليه طعام تحدث به ويسمى له، فأهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده الى الضب فقالت أمرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده، فقال خالد بن الوليد: أحرام الضب يا رسول الله؟! قال: "لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه.
قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله ينظر فلم ينهي.
فكما يظهر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد امتنع عن فعل، ولكنه أقره من غير نكير، الا أن التعارض الظاهر هنا مرفوع بنص الحديث، لأن ترك الفعل من الرسول - صلى الله عليه وسلم - عيافة له، وهو من الأمور الجبلية التي لا تدخل في التشريع.
الفصل الثاني
توهم تعارض الحديث مع أصول الدين والشريعة
وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول: تعارض الحديث مع قواعد العقائد.
المبحث الثاني: تعارض الحديث مع القواعد الشرعية والأصولية الفقهية.
المبحث الأول
توهم تعارض الحديث مع قواعد العقائد
¥