تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثَّالث: ما يتعلَّق بالفتوى، وأجمعوا على أنَّه لا يجوز تعمُّد الخطأ، فأمَّا على سبيل السَّهو فقد اختلفوا فيه.

الرَّابع: ما يتعلَّق بأفعالهم وأحوالهم. وقد ذكر الرَّازيُّ اختلافهم في هذه النُّقطة الأخيرة، فذكر أنَّ بعضهم جوَّز عليهم الإقدام على الكبائر، وبعضهم جوَّز عليهم تعمُّد الصَّغيرة دون الكبيرة بشرط ألاّ تكون مُنفِّرةً، وبعضهم لم يجوِّز عليهم تعمُّد الصَّغيرة.

ثمَّ ذكر وقت وجوب هذه العِصمة فذكر البعض أنَّها من الولادة إلى آخر العمر، وقال الأكثرون: هذه العِصمة إنَّما تجب في زمان النُّبوَّة.

وقال (1):" والّذي نقول: إنَّ الأنبياء- عليهم الصَّلاة والسَّلام - معصومون في زمان النُّبوَّة عن الكبائر والصَّغائر بالعمد، أمَّا على سبيل السَّهو فهو جائزٌ.

تنبيهٌ: ذكر الأكثرون عند تعرُّضهم لمبحث العِصمة، عصمة الأنبياء لا غيرهم، سوى الشِّيعة فإنَّهم تكلَّمو عن عِصمة الأئمة وعلَّلوا ذلك بأنَّه (2):"لمَّا كان علَّة الحاجة للإمام عدم عصمة الخلق وجب أن يكون الإمام معصوماً، وإلاّ لم يحصل غرض الحكيم ". وقد ذكرت في الفصل الأوّل من الباب الأوّل شدَّة تعارض أقوال ائمتهم -حسب زعمهم-وبيَّنت فلسفتهم لتبرير هذا التَّعارض، ولهذا فلن أتشاغل بعصمة الائمة لأنَّها ليست من صُلب بحثي، ثمَّ لشدَّة وهاء تبريراتهم.

إذاً فعِصمة الأنبياء واجبٌ إثباتها قبل النُّبوَّة عن الكبائر، وبعد النُّبوَّة عن تعمُّد الصَّغائر، ويجب اعتقاد بعدهم عن الكذب أو الخطأ في مجال التَّبليغ والفتوى، وقد وردت بعض الأحاديث توهم التَّعارض مع مفهوم العِصمة، ومنها: حديث سحر النَّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-من قِبَل لَبيد ابن الأعصم،إذ روى البُخاريُّ (3) عن عائشه - رضي الله عنها - قالت: سُحر رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - حتَّى إنَّه ليُخيَّل إليه أنَّه يفعل الشَّيء وما فعله، حتَّى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه ثمَّ قال: " أشَعَرْتِ يَاعَائِشَةُ أنَّ اللهَ قَدْ أفْتَانِي فِيْمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: " جَاءَنِي رَجُلان فَجَلَسَ أحَدُهُمَا عِنْدَ رَأسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلِي، ثُمَّ قَالَ أحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيْدٌ ابن الأعْصَمِ اليَهُودِيُّ، مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، قَالَ: فِيْمَاذَا؟ قَالَ: في مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأيْنَ هُوَ؟ قَالَ: في بِئْرِ ذِي أروانٍ ".قال: فذهب النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم - في أُناسٍ من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخلٌ، ثمَّ رجع إلى عائشة فقال: "وَالله لَكَأنَّ مَاؤهَا نُقَاعَة الحِنَّاء، ولكأنَّ نّخْلَهَا رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ " قلت: يا رسول الله، أفأخرجته؟ قال: " لا، أمَّا أنا فَقَدْ عَافَانِي الله وَشَفَانِي، وَخَشِيْتُ أنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرَّاً "، وأمر بها فدفنت.

وللوهلة الأولى قد يرفض البعض هذا الحديث بحجَّةِ أنَّه يتعارض وعِصمة النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - وبخاصَّةٍ ما ورد من قول الله -تعالى- على لسان المشركين: {إنْ تَتَّبِعُونَ إلاّرَجُلاً مَسْحُورَاً} (1) فما وجه هذا الحديث وكيف يُفهم على بناءً على هذه الآية؟.

ابتداءً يجب أن نقف على معنى السِّحر حتَّى نستطيع فهم الآيات في ضوء الأحاديث، أو فهم الأحاديث في ضوء الآيات، قال القُرطبيُّ (2) " السِّحر: أصله التَّمويه بالحيل والتَّحايل، وهو أن يفعل السَّاحر أشياء ومعانٍ فيُخيَّل للمسحور أنَّها بخلاف ما هي به، كالَّذي يرى السَّراب من بعيدٍ فيُخيَّل إليه أنَّه ماء وقيل: هو مشتقٌ من سحرت الصَّبيَّ إذا خدعته، وكذا إذا علَّلته " (3). وقيل: إنَّ السِّحْر عند الشَّافعيِّ وسوسةٌ وأمراضٌ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير