ثانياً: إنَّ ابن مسعودٍ لم ينفرد برواية هذا الحديث، بل وافقه غيره من الصَّحابة وقد أشرت في النَّقطه السَّابقة إلى رواية أنسٍ للحديث، وأوصل الكتَّانيُّ (4) الحديث إلى مصافِّ التَّواتر، ونقل عن عددٍ من علماء الإسلام نصهم على تواتر هذا الحديث. وذكر عن الحافظ ابن حجرٍ أنَّه قال: أجمع المفسِّرون وأهل السِّير على وقوعه، وقال: ورواه من الصَّحابة:
علي (1)، وابن مسعود، وحُذيفة (2)، وجُبير بن مطعم (3).
ثالثاً: إنَّ القرآن الكريم قد ذكر هذه الحادثه عند قول الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ} (4) والآية جاءت بصيغة الماضي مما يدلُّ على وقوع الانشقاق وحدوثه، وعلى هذا أجمع علماء التَّفسير حتى المُعتزلة منهم.
رابعاً: لا يُشترط للحادثة إن وقعت أن يلاحظها النَّاس أجمعون، ويتغنَّى فيها الشُّعراء، وتسير بحكايتها الرُّكبان، بل قد لا يلاحظها إلاّ النَّفر القليل، وقد يُلاحظها الجمَّ الغفير،ومع ذلك لا يتحدَّث بها إلاّ آحاد النّاس. وهذا أمرٌغير مستغربٍ ولا مُستهجنٍ.
فهذه الأُمور تكفي لردِّ الانتقادات والاعتراضات الّتي اعترض بها النَّظَّام وغيره ولكنِّي سأذكرآراء بعض ائمة المعتزله لردِّ الاعتراض، وخير الرُّدود ما قام به الخُصوم أنفسهم. فقال الحاكم الجُشَميُّ (5) في تفسير الآية: وروى انشقاق القمر ابن مسعود وابن عمر وأنس، وحُذيفة وابن عبّاس، وجُبير بن مُطعم، ومجاهد، وإبراهيم، وهو قول أبي عليٍّ وجماعته، وقيل: إنَّه ماضٍ بمعنى المستقبل: أي سينشقُّ عند قرب السَّاعة، قالوا: ولو انشق لرآه كلُّ أحدٍ، ولاشتهر عن الحسن وعطاء، والأصم، وأبي القاسم. قال الحاكم: وهذا لا يصحُّ لأنَّه خلاف الظَّاهر، ولأنَّه اشتهرت الرِّواية فيه ".
قال: ومتى قيل: فهل رآه أهل البلدان؟ قلنا: القمر قد يستره الغيم ويُرى في موضعٍ دون موضع، ولأنه كان باللّيل وقت نومٍ وغفلةٍ فلم يشتهر ولم يره كلُّ أحدٍ، ولأنَّه لم يلبث وقت الانشقاق، بل كانت ساعة، لذلك لم يشتهر على أنَّه كان مشهوراً بينهم لأنَّه- صلّى الله عليه وسلّم- كان يقرأ عليهم هذه السُّورة ولا ينكره منكرٌ، ولا يكذِّبه أحدٌ مع كثرة الأعداء وحرصهم على تكذيبه ".
وهذا استدلالٌ مُوفَّقٌ من الحاكم، وهو استدلالٌ بتلاوة الآية على المشركين وعدم تكذيبهم إيَّاه، مع توفُّر الرَّغبة والحِرْص على ذلك، ولو كذَّبوا لنُقل إلينا.
وقال المَاورديُّ (1): في تأويله وجهان:
الأوّل: 00000
الثَّاني: وهو قول الجُمهور، وظاهر التَّنزيل، أنَّ القمر انشقَّ على عهد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -.
وقال الزَّمَخْشَرِيُّ (2): انشقاق القمر آيةٌ من آيات رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم -ومعجزاته النَّيِّرة ...
وقال (3): وذُكر أنَّ بعضهم قال: إنَّ معناه ينشقّ يوم القيامة، وقوله:
{وَإنْ يَرَوْا آيةً ... } (4) يردّه، وكفى به ردّاً. وفي قراءة حُذيفة (5): {وَقَدِ انْشَقَّ القَمَرُ}. أي: اقتربت السَّاعة وقد حصل من آيات اقترابها أنَّ القمر قد انشقَّ.
وعن حُذيفة (6) أنَّه خطب بالمدائن ثمَّ قال: ألا إنَّ السَّاعة قد اقتربت وانشقَّ القمر.
وأختم بذكر هذه المُداخلة الطَّويلة نبسبَّياً" من القاضي عبد الجبار حيث قال (7):" بابٌ آخر"، وهو ما كان بمكَّة من انشقاق القمر، فإنَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم - مرَّ بمكَّة في ليلة قمراء ومعه نفرٌ من أصحابه، فاجتاز بنفرٍ من المشركين فقالوا له: يا محمد إن كنت رسول الله كما تزعم فاسأل ربك أن يشُقَّ هذا القمر، فسأل الله ذلك فشقَّه، فقال المشركون: ساحروا بصاحبكم من شئتم فقد سرى سحره من الأرض إلى السماء، فنزلت القصَّة في ذلك، وهذا من الآيات العظام والبراهين الكرام على صدقه ونبوَّته- صلّى الله عليه وسلّم -.
¥